صراحة نيوز-د.عبد الفتاح طوقان
المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط يتغير باستمرار، مع المظالم التاريخية والتحالفات الاستراتيجية التي تشكل الحاضر، يواجه الأردن، وهو لاعب رئيسي في هذه الديناميكية في منطقة الشرق الأوسط الملتهب سياسيا وعسكريا مع وجود حرب آباده في غزة هاشم، منعطفا حرجا في علاقاته، لا سيما مع إسرائيل التي تهدد وجوده باستمرار ولن تتوقف خصوصا بوجود الداعم الرئيس الا وهي الولايات المتحدة التي ترى في ربيبتها إسرائيل التي زرعت كخنجر في ظهر الخاصرة العربية حليفا لها لإسكات العرب وأصوات التحرر من الاستعمار.
وتجدر الإشارة هنا الى الاستراتيجيات المحتملة واوراق الضغط التي يمكن أن يعتمدها الأردن في مواجهة الصلف الإسرائيلي الساعي الي الاستيلاء على الأردن ومصر لإقامة “إسرائيل الكبرى :من النيل الى الفرات” لاستعادة سيادته وأمنه وسط التوترات الإقليمية المستمرة عوضا عن التشنج والشجب والانكفاء.
السياق التاريخي
شكلت معاهدة وادي عربة، الموقعة في ٢٦ أكتوبر ١٩٩٤ نقطة تحول مهمة في العلاقات الأردنية الإسرائيلية، حيث حلت النزاعات الحدودية والاعتراف بإنشاء إسرائيل واعتراف لها بحدود مغتصبة من الأرض التاريخية لفلسطين في مقابل اعتراف وتثبيت حدود الأردن. ومع ذلك، غالبا ما ينظر إلى المعاهدة على أنها مصدر ضعف للأردن، مما يضعها في وضع غير مستقر مع استمرار التوترات مع إسرائيل. تثير التهديدات المستمرة لسيادة الأردن السؤال التالي: هل تخدم المعاهدة المصالح الوطنية للأردن، أم أنها أصبحت أداة للإخضاع؟
الأردن ليس بالضعف ألذى يشار اليه ، بل لديه خيارات استراتيجية مختلفة قادرة على صد التمدد الإسرائيلي الذي يقترحه رئيس الوزراء نتنياهو والذي سبق أشار اليه في كتابه المنشور عام ١٩٩٤ بعنوان “مكان بين الأمم – إسرائيل العالم” وصرح به تكرارا علنا وفي مناسبات مختلفة وهو في اعلى مناصب الكيان الإسرائيلي الغاصب من أيام .
أولا : إلغاء معاهدة وادي عربة
إن إعادة تقييم معاهدة وادي عربة يمكن أن تمهد الطريق للأردن لتأكيد سيادته. من خلال إلغاء المعاهدة، يمكن للأردن أن يقدم جبهة موحدة ضد العدوان الإسرائيلي المتصور. لن تؤدي هذه الخطوة إلى زعزعة استقرار الوضع الأمني لإسرائيل فحسب، بل ستمكن أيضا جماعات المقاومة داخل المنطقة ان تهدد آمن إسرائيل اذا سمح لها الأردن العبور من أراضيه والتي تشكل ٣٦٠ كيلومتر من الحدود، مما يغير ميزان القوى.
ثانيا : إنهاء اتفاقية التعاون الدفاعي وبقية الاتفاقيات العسكرية مع الولايات المتحدة.
لم تكن المعاهدة العسكرية الأمريكية الأردنية حجر الزاوية في استراتيجية الدفاع الأردنية بقدر ما كانت تنازل عن السياده وتفريط بها حسب رأى بعض من نواب البرلمان والأحزاب في الأردن لأنها منحت حرية الحركة بلا شروط آو قيود وحصانة من المحاكمات للجيش الأمريكي ومن يؤازره وهي حصانة لا يتميز بها أي من منتسبي الجيش العربي في وطنه ، وأتت لدعم أمريكا وتوجهاتها في المنطقة. ومع ذلك، يمكن للأردن النظر في إلغائها وإنهاء تواجد الأفراد والضباط العسكريين الأمريكيين ومن معهم. من شأن هذا الإجراء أن يشير إلى تحول نحو الاعتماد على الذات والسيادة الوطنية، مما يسمح للأردن باتباع سياسة أمنية مستقلة تتماشى مع مصالحه. وللعلم ما يطلق عليها أسم اتفاقية التعاون الدفاعي لم تمنح الأردن كلمة واحده او اعتراض ضد ما صرح به رئيس وزراء إسرائيل، فأين التعاون الدفاعي ؟
ثالثا : إعادة المواءمة الدبلوماسية
يمكن إعادة تقييم العلاقات الدبلوماسية الأردنية مع إسرائيل والولايات المتحدة التي تحميها وترعاها. إن طرد السفير الإسرائيلي واستدعاء السفير الأمريكي الى وزارة الخارجية الأردنية توجيه اللوم وطلب موقف واضح علنيين نتنياهو واستدعاء الدبلوماسيين الأردنيين من هذه البلدان سيدل على انقطاع عن الاتفاقات القائمة. يمكن لمثل هذه الخطوة الجريئة أن تشجع على الدعم والتضامن الإقليميين الأوسع نطاقا ضد السياسات الإسرائيلية المدعومة امريكياً التي ينظر إليها على أنها عدوانية.
رابعا : تأليف تحالفات جديدة
يمثل تعزيز العلاقات مع روسيا والصين فرصة للأردن لتنويع شراكاته الدولية. من خلال الانحياز إلى هذه القوى، يمكن للأردن الحصول على دعم عسكري بديل ومساعدة اقتصادية عوضا عن ٤٥٠ مليون دولار تدفعها سنويا أمريكا للأردن ، مما يخفف من اعتماده على المساعدات الأمريكية. يمكن أن يعزز هذا التحول الأهمية الاستراتيجية للأردن في المنطقة، مما قد يؤدي إلى توازن قوى أكثر ملاءمة.
الأردن ورغم مساحته الصغيرة الا ان مواقفه والتحول في استراتيجيته من التبعية لأمريكا تقع ضمن أوراقه الضاغطة وان استغلت بالطريقة الصحيحة فالآثار المترتبة على الاستقرار الإقليمي ستكون عميقة وهوما يزعج أمريكا . يمكن أن يكون الأردن الذي يستعيد استقلاله الذاتي وسيادته الكاملة إن فعلها بمثابة نقطة تجمع للدول العربية، مما قد يشجع الدول الأخرى على إعادة النظر في علاقاتها مع إسرائيل والولايات المتحدة. علاوة على ذلك، فإن احتمال زيادة القدرات العسكرية والتحالفات مع القوى غير الغربية يمكن أن يزيد من التوترات في المنطقة، مما يتحدى ميزان القوى الحالي ويجعل الموقف الأمريكي يتغير للتوازن مع المصالح الأردنية وحق الأردن في البقاء والحياة.
يقف الأردن على مفترق طرق، مع فرصة لإعادة تعريف دوره في الشرق الأوسط. من خلال إعادة تقييم معاهداته وتحالفاته، يمكن للأردن تأكيد سيادته وتعزيز أمنه القومي.
صحيح أن المخاطر كبيرة، وسيتطلب الطريق إلى الأمام دراسة متأنية لكل من الديناميكيات المحلية والإقليمية لكن من غير المقبول تهديد العرش الهاشمي، والدولة الأردنية، وأصحاب الأرض الأصليين ويقف مكتوف الايدي الا من تصريحات لا تخدم و لا تنفع و لا تغني ، وبعض من إجراءات تعرف إسرائيل مسبقا انها بلا فائدة.
بينما يتنقل الأردن في هذا المشهد المعقد، فإن القرارات المتخذة اليوم ستشكل مستقبله واستقرار المنطقة لسنوات قادمة، و هو قادر على قلب موازين القوى، فلا تستهينوا بالأردن وحجمه وقدراته ان تحرك شرفاء واحرار وطن الرجولة ، الشجاعة.