صراحة نيوز- أ.د. محمد الفرجات
يشكّل القرار الذي اتخذته حكومة الدكتور جعفر حسان في السابع والعشرين من آب 2025، والقاضي بمنح حزمة غير مسبوقة من الحوافز والإعفاءات لمشاريع توليد الطاقة الكهربائية التقليدية والمتجددة، محطة فارقة في مسار قطاع الطاقة الأردني، بل وفي الاقتصاد الوطني بأكمله. فهذا القرار لا يقتصر على دعم المستثمرين أو تعزيز أمن التزويد بالكهرباء فحسب، بل يفتح الباب أمام تحولات هيكلية تمس الصناعة، والتشغيل، والتصدير، والتنمية في مختلف القطاعات، ويساهم كذلك بالاعتماد الذاتي بمصادر الطاقة… ولهذا أبعاد سياسية هامة جدا.
خطوة جريئة بمردود واسع:
تقوم فلسفة القرار على تخفيف الأعباء الاستثمارية والتشغيلية عن المشاريع الطاقية من خلال إعفاءات جمركية وضريبية تصل إلى الإعفاء الكامل طوال مدة الاتفاقية، إضافة إلى إعفاء ضريبة الدخل بنسبة 75% لعشر سنوات، وإزالة الرسوم عن العقود والاتفاقيات المرتبطة بالمشاريع.
هذه الحزمة تجعل الأردن أكثر تنافسية على خريطة الاستثمار الإقليمي، وتؤسس لجذب شركات عالمية ومحلية ضخمة ستتسابق للاستفادة من المناخ الاستثماري الجديد.
أثر اقتصادي متسلسل:
من المتوقع أن ينعكس القرار على النمو الاقتصادي عبر جذب استثمارات بمليارات الدنانير خلال الأعوام القليلة القادمة، ما يسهم في تحريك عجلة الاقتصاد وتوسيع القاعدة الإنتاجية. كما أن خفض كلفة التوليد والتشغيل سيؤدي على المدى المتوسط إلى تخفيض أسعار الكهرباء للصناعة والخدمات، ما يعزز تنافسية الصناعات الوطنية في التصدير ويحفّز التوسع في الإنتاج.
فرص عمل وتخفيف الفقر:
خلال مراحل إنشاء وتشغيل المشاريع، سيوفر القرار آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، خصوصاً في المحافظات النائية التي تحتضن مشاريع الطاقة الكبرى. وإذا ما أُحسن توجيه هذا الأثر من خلال برامج تدريب مهني وتوطين للخبرات، فسيصبح للقرار دور بارز في تخفيف البطالة والفقر وتعزيز العدالة التنموية.
الصناعة والسياحة والمجتمع:
لن يقتصر الأثر الإيجابي على القطاع الطاقي؛ فالصناعة ستستفيد من استقرار التزويد وانخفاض التكاليف، ما يعزز قدرتها على التوسع والمنافسة بالأسواق العالمية وزيادة التصدير، مما يزيد فرص العمل ويعزز موارد العملة الصعبة. أما السياحة، فستنعكس عليها وفرة الطاقة واستقرارها، خصوصاً في المشاريع السياحية والفندقية التي تعتمد على طاقة كهربائية آمنة وموثوقة. كما أن التحول نحو الطاقة المتجددة يعزز سمعة الأردن في السياحة البيئية والمستدامة، وهو اتجاه عالمي جاذب.
البعد البيئي والأمن الطاقي:
على المستوى البيئي، يسهم القرار في تسريع التحول نحو الطاقة المتجددة، وبالتالي خفض الانبعاثات الكربونية وتعزيز التزام الأردن بالاتفاقيات الدولية. كما أن تنويع مصادر التوليد يقلل اعتماد المملكة على استيراد الوقود الأحفوري، ما يرفع مستوى الأمن الطاقي ويحمي الاقتصاد من تقلبات الأسعار العالمية.
تحديات إدارة المكاسب:
رغم الفرص الكبيرة، تبقى هناك تحديات تتطلب إدارة حكيمة؛ أبرزها ضبط الخسائر الضريبية قصيرة المدى، وضمان تحقيق قيمة مضافة محلية حقيقية عبر تشجيع الصناعات الداعمة وتوطين الخبرات والوظائف. كما أن وضع سياسات تحفيزية للمحتوى المحلي سيضاعف أثر القرار على الاقتصاد الوطني.
يمكن القول إن ما اتخذته حكومة د. جعفر حسان هو قرار طاقي تاريخي يعيد رسم خريطة الاستثمار والاقتصاد الأردني، ويضع المملكة في مسار أكثر استدامة وأمناً على الصعيدين الاقتصادي والبيئي. غير أن نجاح هذا القرار لن يقاس بحجم الاستثمارات فقط، بل بقدرته على تحقيق قيمة حقيقية للمجتمع: فرص عمل للشباب، تنمية صناعية متقدمة، بيئة نظيفة، واستقرار في التزويد بالطاقة لكل بيت ومنشأة.
مبارك أيضا لأقسام هندسة الطاقة بالجامعات وخريجي تخصص الطاقة.