الذات الحقيقية والذات الرقمية: أيهما أنت حقًا؟

3 د للقراءة
3 د للقراءة
الذات الحقيقية والذات الرقمية: أيهما أنت حقًا؟

صراحة نيوز- أمجد الكردي

في عصر تتقاطع فيه الحياة الواقعية مع الرقمية، أصبح من الطبيعي جدا أن يجد الشباب أنفسهم أمام سؤال معقد: من أنا على الإنترنت؟. فالكثيرون لا يقدّمون أنفسهم كما هم في الواقع، بل يختارو ان يبتكرو نسخًا رقمية قد تكون أجمل بنظرهم ، أكثر جرأة، أو حتى مختلفة تمامًا عن شخصياتهم الحقيقية. هذه الظاهرة ليست مجرد توجه عابر الى جيل اليوم ، بل انعكاس لصراع عميق بين الرغبة في القبول والبحث عن الحرية الشخصية.

هل هذا يعد ضد للصورة المثالية؟
منصات مثل إنستغرام وتيك توك جعلت من المظهر معيارًا للقبول الاجتماعي. الخوارزميات تعطي الأفضلية للصور المعدلة والمبهرة، والجمهور ينجذب نحو الكمال. أمام هذا الواقع، يجد الشباب أنفسهم مضطرين لصنع صورة رقمية “مثالية” تحصد التفاعل، حتى لو لم تكن صادقة أو معبرة عن ذاتهم الحقيقية.

الهويات بين الواقع والافتراض
الفضاء الرقمي اليوم يمنح حرية لتجريب هويات متعددة. شاب خجول في حياته اليومية قد يقدم نفسه كشخصية جريئة على الإنترنت، وفتاة تواجه قيودًا اجتماعية قد تجد في الحساب الافتراضي مساحة للتعبير عن آرائها أو مظهرها الخارجي . هنا لا تعود النسخة الرقمية مجرد صورة مزيفة، بل تصبح وسيلة لاكتشاف الذات أو للهروب من قيود الواقع.

البعد النفسي : الحاجة للإعتراف
يشير خبراء النفس اليوم إلى أن الرغبة في التقدير والاعتراف أحد أهم دوافع إنشاء النسخ الرقمية. عندما لا يحصل الفرد على الاهتمام الكافي في حياته الواقعية، يلجأ إلى المنصات الرقمية ليشكل هوية تجذب التفاعل والتقدير، من خلال اللايكات والتعليقات والمشاركات. لكن هذا التقدير الافتراضي قد يخلق فجوة نفسية بداخل الإنسان ، فالإنسان يعتاد على الاحترام لنسخته الرقمية فقط، ويشعر بأن ذاته الحقيقية أقل قيمة.

التكنولوجيا تسهّل الهروب

برامج تعديل الصور والفيديو، وفلاتر الذكاء الاصطناعي، جعلت من السهل إنشاء نسخ رقمية محسنة. لم يعد الأمر يتطلب جهدًا كبيرًا، بل مجرد نقرة زر لتغيير الملامح أو تحسين الصورة. هذه الأدوات، رغم أنها وُجدت للمتعة والإبداع، ساهمت في اتساع الفجوة بين الواقع والافتراض.

هل النسخة الرقمية كذبة أم جزء من الهوية ؟

السؤال الأكثر جوهرية: هل تعتبر النسخ الرقمية “أقنعة” تخفي الذات الحقيقية، أم أنها تعبير طبيعي عن تطور الهوية الإنسانية في العصر الرقمي؟
البعض يرى أنها كذبة اجتماعية تبعد الأفراد عن ذواتهم الحقيقية، بينما يرى آخرون أنها وسيلة للتعبير الحر عن النفس، وأن الهوية لم تكن يومًا واحدة بل متعددة ومتغيرة حسب السياق.

وفي نهاية المطاف، يبقى التحدي الأكبر للشباب اليوم هو القدرة على التوازن بين الذات الحقيقية والنسخة الرقمية التي يخلقونها. فالفضاء الرقمي يوفر فرصًا للتجريب والتعبير الحر، لكنه في الوقت نفسه قد يغرق الفرد في صراع مستمر مع ذاته. ربما يكون الحل في الوعي بما نعرضه على الإنترنت، وفي محاولة دمج الحرية الرقمية مع الصدق تجاه أنفسنا، لنتمكن من بناء هوية متكاملة، حقيقية ومرنة في آن واحد. السؤال يبقى: هل سننجح في أن نكون على الإنترنت كما نحن في الواقع، أم سنستمر في منح النسخة الرقمية الوجه الأبرز لشخصياتنا؟

Share This Article