صراحة نيوز-دراسة حالة إعداد الباحث : خليل النظامي
تواجه وسائل الإعلام الأردنية تحديات متشابكة تتعلق بموازنة المهنية مع متطلبات السوق الإعلامي الرقمي، ففي ظل التنافس الحاد على نسب المشاهدة والتفاعل، تبرز ظاهرة “تسليع الجدل” بوصفها إستراتيجية إعلامية تفضل الإثارة على القيمة المعرفية.
هذه الظاهرة تتجلى في استقطاب شخصيات مثيرة لـ الانقسام العام واثارة الجدل، بهدف تأمين أعلى معدلات تفاعل ومشاهدة ممكنه، بغض النظر عن معيار قبول أو رفض الجمهور لهذه الشخصيات.
والحالة الأبرز على الساحة الأردنية هي الحضور الإعلامي المتكرر بشكل مكثف لـ العين عمر العياصرة على شاشة #المملكة وإذاعة #راديو_البلد، وهو حضور يثير الكثير من الأسئلة المهنية والمعرفية حول علاقة الإعلام بـ جمهوره وحدود دوره.
ووفقا لـ منهجية الرصد والتحليل، تم رصد التفاعلات الرقمية على فيديوهات العياصرة المنشورة عبر المنصات الرقمية لكل من منصتي المملكة وراديو البلد عبر منصة الفيسبوك.
وأظهرت البيانات أن هذه الفيديوهات تحصد أعلى نسب مشاهدة وتفاعل مقارنة بغيرها، إضافة الى ذلك، اتسمت غالبية التعليقات بـ طابع الرفض والسخرية من حديث #العياصرة، الأمر الذي يكشف عن التناقض بين الاهتمام الكمي (المشاهدات) والتقييم النوعي (رفض المحتوى).
هذا التناقض هو ما يجعل حالة العياصرة مثالية لـ الدراسة من منظور نظرية الاستخدامات والإشباعات وكذلك من منظور نظرية الاستقطاب الإعلامي،،،
وفي جانب التحليل النظري لـ هذه الحالة وفقا لـ النظريات العلمية، نجد أن نظرية الاستخدامات والاسباعات المعرفوة بـ سعي الجمهور إلى الإعلام لإشباع حاجات معرفية أو عاطفية أو ترفيهية، إلاّ أن حالة العياصرة من منظورها تكشف أن إشباع الجمهور لا يتمثل في الاستفادة من الطرح، بل في عملية تفريغ الرفض والسخرية وربما الاحتقان الداخلي، بـ معنى أن الجمهور الأردني يستهلك المحتوى لا ليقبله، بل ليؤكد رفضه له في عملية أشبه بما يسميه بعض الباحثين المشاهدة بدافع الرفض,,,
أما حالة العياصرة من منظور نظرية الاستقطاب الإعلامي والتي تصف الكيفية التي تؤدي بها وسائل الإعلام إلى تعميق الانقسامات داخل المجتمع عبر تكريس وجهات نظر متعارضة ومتباينة، فنجد أن شاشة المملكة وراديو البلد يستثمران في شخصية العياصرة ليس باعتباره مصدرا لـ التحليل الرصين، بل باعتباره محركا لـ الجدل الذي يضمن التفاعل الرقمي.
بـ المقابل ومن منظور منطق السوق الإعلامي، والذي أكدت الكثير من الدراسات العلمية أن الإعلام الرقمي يقاس نجاحه بـ الأرقام أكثر من النوعية، إذ يصبح عدد المشاهدات هو المؤشر الأكثر أهمية من مدى الرضا عن المحتوى، أو عن جودته.
وفي العينات البحثية التي تم تتبعهما يتأكد هذا المنطق السوقي، إذ تحول الرفض الشعبي الأردني لـ العياصرة إلى رأسمال رمزي تستثمره الوسائل الإعلامية بهدف تعزيز حضورها الرقمي….
وفي ضوء ما سبق، تتضح أمامنا جملة من المخاطر والنتائج المتمثلة بـ أن الاستمرار في استضافة شخصيات يرفضها الجمهور الأردني كـ العياصرة يعمل على تقويض مصداقية هذه الوسائل على المدى الطويل،،
الى ذلك تؤدي عملية تسطيح النقاش العام حول قضايا الوطن والإقليم من قبل هذه الشخصيات التي يغلب عليها الطابع الجدلي، يحول الإعلام من منصة حوار الى أداة لـ إثارة التفاعلات والعبث بـ توجهات وحرارة ووجهة الرأي العام، وربما تصل الى تفتيته وتشتيته عن قضاياه.
فضلا عن أن هذا الأمر يؤدي الى تشويه وظيفة الإعلام، فـ عوضا عن تعزيز الفهم العام ونشر مفاهيم الوعي الجمعي والمجتمعي، يصبح الهدف زيادة نسب التفاعل حتى لو كان ذلك على حساب المضمون والجودة والمعرفة.
الخلاصة العلمية،،،
هذه الحالة تكشف عن أزمة بنيوية في الإعلام الأردني بين خطاب المهنية وشروط السوق، ومثال صارخ على توظيف الرفض الشعبي كـ أداة تسويقية، خاصة أن ما يجري ليس مجرد صدفة، بل يعكس تحول في وظائف الإعلام من الخدمة العامة إلى المنتج الاستهلاكي القائم على إثارة الجدل,,
ويبقى السؤال،،
هل يمكن لـ الإعلام الأردني أن يوازن بين متطلبات السوق والحفاظ على مهنية حقيقية…؟!! أم أن رهان الأرقام سيظل يحدد أولويات الشاشات والإذاعات والمنصات الرقمية لوسائل الإعلام المختلفة، وحتى لو كان الثمن طرح قضايا سخيفة، واستضافة وجوه يرفضها الجمهور بشكل شبه كامل..؟!!!