صراحة نيوز- بقلم: جهاد مساعده
يشهد الأردن اليوم مرحلة فارقة في مسار تجربته الحزبية، حيث تتقاطع الطموحات الوطنية مع تحديات الواقع. فقد فتح القانون الجديد الباب أمام ميلاد حياة سياسية أكثر نضجًا وبرامجية، لكن ضعف الأداء الحزبي وغياب الثقة الشعبية ما يزالان يحاصران هذه التجربة.
إننا أمام لحظة اختبار حقيقية: فإما أن تنجح الأحزاب في الانتقال من الولاءات الضيقة إلى الانتماء للفكرة، وإما أن تبقى مجرد واجهة شكلية لا تعكس آمال الأردنيين.
منذ سنوات طويلة، ظل المشهد الحزبي في الأردن يتأرجح بين خطاب الإصلاح وحقيقة الواقع. ومع قانون الأحزاب والانتخابات الجديد، بدا وكأننا أمام فرصة لولادة مرحلة سياسية مختلفة، تُعيد تشكيل العلاقة بين الدولة والمجتمع على أساس حزبي برامجي. لكن، حين ندقق في التفاصيل، نكتشف أن التجربة ما تزال في طور التجريب، ولم تبلغ بعد مرحلة التمكين.
صحيح أن الأحزاب حققت حضورًا عدديًا غير مسبوق في البرلمان، لكن ذلك وحده لا يكفي لقياس النجاح. فالمعيار الأهم هو القدرة على التأثير وصناعة القرار، وبناء الثقة الشعبية. وهنا تكمن المشكلة: المجتمع الأردني ما يزال أقرب إلى الولاءات الشخصية منه إلى الانتماء الحزبي، والأحزاب لم تنجح بعد في نقل الناس من الولاء للشخص إلى الولاء للفكرة.
والأخطر من ذلك أن بعض ممثليها، حين أُتيحت لهم فرصة المشاركة المباشرة في الحكومة الحالية، لم يقدِّموا صورة تبشِّر بالخير، بل على العكس، كان ضعف الأداء لديهم واضحًا إلى حدٍّ كبير، مما ترك انطباعًا سلبيًا بأن الحكومات الحزبية المستقبلية، كما أرادها الملك أن تكون خطوة إصلاحية راسخة، قد تتحول إلى تجربة شكلية ليس لها معنى إذا لم ترتقِ الأحزاب إلى مستوى المسؤولية ومستوى طموحات الملك.
هذا الواقع يعكس أن كثيرًا من الأحزاب ما تزال بلا برامج واضحة، ولا رؤية وطنية شاملة، ولا تنظيم داخلي قادر على إنتاج قيادات تليق بثقة الناس. والنتيجة أن الناخب الأردني، الذي يعاني أصلًا من فتور تجاه العمل الحزبي، لم يجد بعد في هذه الأحزاب بوصلة تقوده إلى المستقبل.
ومع ذلك، لا يمكن القول إن التجربة انتهت. فبذور العمل الحزبي قد زُرعت، والسؤال هو: هل تُترك لتنمو في بيئة قانونية وإدارية وإعلامية عادلة، أم تُترك لتذبل وسط شعارات بلا مضمون؟
والخلاصة كما يراها كثير من أصحاب الرأي: إن الأحزاب السياسية في الأردن لم تنجح بعد، وتجربة مشاركتها الحكومية المبكرة لم تكن مشجعة، لكنها أيضًا لم تصل إلى خط الفشل النهائي. نحن أمام مشروع لم يكتمل: إما أن يتطور نحو حياة حزبية حقيقية تُثري التجربة السياسية وتفتح باب الإصلاح، أو يتلاشى عند الاختبار الحقيقي.
فالأردن اليوم أمام مفترق طرق حزبي لا يحتمل التردد: إمّا أن تنضج التجربة لتصبح رافعة حقيقية للإصلاح السياسي ومسار واضح المعالم، أو تبقى مجرّد عنوان بلا مضمون يضاف إلى سجل الفرص الضائعة.