وحدة الضفتين .. أضرّت بالبلدين

8 د للقراءة
8 د للقراءة
وحدة الضفتين .. أضرّت بالبلدين

صراحة نيوز- عوض ضيف الله الملاحمة

عندما أتفكر في وحدة الضفتين الغربية مع الشرقية أبتئس ، ويكفهر وجهي ، ولا أجد مجالاً لتغيير هذا الشعور ، وأحاول ان أُقنع نفسي وأُخاطبها قائلاً : لم أعهدكِ تعانين من تناقض في التفكير ربما يصل حد الإنفصام ، فكيف لا تنشرح أساريركِ عندما تتذكرين وحدة الضفتين !؟

وليسمح لي القراء الكرام ان أقول ما لم يَقُله غيري ، ربما ، مع عدم معرفتي للسبب ، فإما يكون المانع خوفاً ، او جهلاً .

صحيح أنني أتحدث عن شيء فات ، ومات ، وانقضى ، واندثر . فلماذا النبش في الماضي الذي يبعث على القهر ، ولا يجلب شيئاً من الفخر للطرفين !؟

صحيح ان وحدة الضفتين قتلها العدو في حرب عام ١٩٦٧ ، وأصبحت الوحدة أثراً بعد عين ، وذهبت الى صفحات التاريخ الذي لانعرف هل سينظر اليها على انها مصدر فخر ، أم فخٍ بَعث على القهر .

عندما تتفكر في وحدة الضفتين بعمق ، وتربط بين التواريخ والإجراءات تشعر بأنها ربما تكون مفبركة ، وزائفة ، وضاره بالطرفين .

أختلف مع الكثيرين الذين يدعون لعدم الإلتفات للتاريخ ، ونسيان او تناسي الماضي . لأن التاريخ له إنعكاسات وآثار ، على المستقبل . ومن لا يقرأ التاريخ بعمق وتروٍ ، لن يتمكن من فهم الماضي والمستقبل . ولن يكون أدائه الحالي والمستقبلي محصناً من تكرار أخطاء الماضي . وفي هذا يكمن خطر كبير ، كمن يدخل سباقاً للضاحية وهو مُغمض إحدى عينيه .

ما سأذكره ، ليس لوماً ، ولا نقداً ، ولا رفضاً ، ولا كُرهاً ، ولا محاكمة ، ولا حتى مُحاسبة لوحدة الضفتين ، أبداً . وإنما أهدف الى إظهار وتبيان إنعكاساتها على الحاضر ومخاطره ، والمستقبل وويلاته .

وحدة الضفتين أضرت بالقضية الفلسطينية أفدح ضرر ، وانعكاسات ذلك تظهر جلية الآن . حيث ان وحدة الضفتين ألغت قُطراً عربياً كان إسمه ( فلسطين ) . ومن نتائج الوحدة انه أصبح يتوجب على الفلسطيني ان يقول انه ( أردني ) ، وعليه الإفصاح عن أردنيته ، وإظهارها والتغني بها . وإذا أفصح عن ( فلسطينيته ) يُلام ، وينظر اليه كناكر للجميل . وكان نتاج هذا ان سقط إسم فلسطين ، وبدأ بالإندثار من قبل نسبة ليست بسيطة من الأردنيين من أصول فلسطينية كُرهاً ، وليس طوعاً .

وبدت إنعكاسات ذلك جلية حالياً ، وفي هذا الوقت العصيب الذي تعيشه القضية الفلسطينية .

القراء الكرام ، ألم تلاحظوا معي ان كافة كبار المسؤولين من العدو لا يذكرون إسم ( فلسطين ) نهائياً ، حيث يطلقون على
الفلسطينيين في الضفة تحديداً إسم ( العرب ) ، وليس الفلسطينيين . وخاصة الإرهابيين / بن غفير ، وسموتريش ، وهما يتحدثان عن ضم الضفة الغربية يقولان ( ضمّ الكثير من الأرض ، والقليل من العرب ) .

ونظراً لإرتباط الضفتين في وحدة ، وبعد إحتلال الضفة الغربية من قبل العدو الصهيوني عام ١٩٦٧ ، شعر الأردن الرسمي والشعبي بالألم ، والمسؤولية . ولم يألوا الحسين الراحل رحمة الله عليه جهداً الا وبذله بأقصى طاقاته ، مستثمراً ذكائه ، ودهائه السياسي الإحترافي ، لإسترجاع الضفة الغربية ، كونه تم إحتلالها وهي جزء من تراب الأردن الوطني . لكن لم يأتِ طلوع القمر على هوى الساري . وإنتقل الحسين الى الرفيق الأعلى وفي قلبه غصّة .

كما أضر الأردن بنفسه ليجد مخارج لتسهيل حياة الفلسطينيين ، فصرف الأرقام الوطنية لمن يستحقونها ، ولمن لا يستحقوها أحياناً ، كما صرف جوازات سفر بارقام وطنية وبدون ، وصرف جوازات بمدد مختلفة ، خمس سنوات ، وثلاث سنوات . كما تفنن وصرف بطاقات متعددة بالوان قوس قزح ، فمنها : الأخضر ، والأصفر وغيرها . فارتبك الأردن نتيجة إندفاعه لتسهيل حياة الفلسطينيين .

ونتاج هذا الكرم الحاتمي الأردني المُفرط ، بدأ قطافه الآن ، عندما قرر الكيان بداية بانه ينوي تهجير ( ٧٥٠,٠٠٠ ) من فلسطينيي الضفة الغربية الى الأردن كونهم يحملون أرقاماً وطنية أردنية . ثم أعلن الكيان بانه لن يكتفي بتهجير هؤلاء ، وإنما سوف يهجّر كافة الفلسطينيين الذين يحملون أية — لاحظوا كلمة أية — وثائق أردنية مهما كان نوعها ، وللتوضيح أضافوا انه سيتم تهجير كل من يحمل : جواز سفر أردني دائم ، او جواز سفر أردني مؤقت ، وكل من يحمل جواز أردني برقم وطني ، وكل من يحمل جواز أردني بدون رقم وطني ، كما سيتم تهجير كل من يحمل بطاقة أردنية خضراء ، او صفراء او غيرها .

هنا وقعت الواقعة ، وحقّت الحاقة ، وتبين الأثر السلبي القاتل لوحدة الضفتين على القضية الفلسطينية ، حيث ضربتها تلك الوحدة في مقتل .

كما صخّت الصاخة ، على الأردن ، وظهر الأثر السلبي القاتل لوحدة الضفتين على الأردن ، وضربته في مقتل . ولو لم تتم وحدة الضفتين لما وجد العدو مبرراً لتهجير الفلسطينيين الى الأردن . ولشكّل وجود الفلسطينيين للعدو كما الشوكة في الزور . بينما سهّلت وحدة الضفتين على العدو تهجير الفلسطينيين وكأنها أوجدت منفذاً يراه العدو منطقياً للخلاص من أكبر عدد من الفلسطينيين بنقلهم هم ومشاكلهم وتعقيداتهم الى الأردن .

كما علينا ان لا ننسى ، بل علينا ان نفكر ملياً ، في عدد الأرقام الوطنية ، وجوازات السفر الدائمة ، وجوازات السفر المؤقتة التي صُرفت بسخاء لأعداد كبيرة من أبناء فلسطين المحتلة عام ١٩٤٨ . ( وبكره بذوب الثلج وبيبان المرج ) ، عندما يأتي دور تهجير الفلسطينيين من الداخل المحتل عام ١٩٤٨ .

هذا ليس محاكمة ، ولا حتى محاسبة للتاريخ ، أبداً . لكن ليتنا لو تركنا الفلسطينيين في حالهم ، حتى يقلعوا شوكهم بأيديهم دون تدخل منا . حيث لعبنا دور الدبّ وصاحبه : أتذكرونها ؟ عندما رأى الدبّ ذبابة حطّت على وجه صاحبه وهو نائم ، فحمل صخرة كبيرة والقاها على وجه صاحبه ليقتل الذبابة ، فطارت الذبابة مزغردة ، وتعفر صاحب الدبّ بدمه ، ومات .

قبل ان أختم ، أود ان أقول وبوضوح تام ، ودون مواربة ان : ( الوحدة بين الضفتين كانت خطأً إستراتيجياً قاتلاً للأردن وفلسطين ، لسببين :—
١ )) أنها زجّت الأردن في آتون القضية الفلسطينية . كما انه لولا قمة الرباط التي عُقدت عام ١٩٧٤ واعتبرت ان منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين لظل الأردن مسؤولاً عن تحرير الضفة الغربية .
٢ )) أنها أضرّت بالقضية الفلسطينية أفدح ضرر ، لانها وفق النهج الحالي للعدو أوجدت منفذاً للعدو لتهجير الفلسطينيين من أرضهم ، مما سيؤدي الى تفريغها من أهلها .

أعشق وطني الحبيب الأردن ، وأعشق عروبتي ، وأشعر بمسؤولية كبيرة تجاه فلسطين الحبيبة واعتبرها قضية العرب الأولى والمركزية ، وأتمزق بينها ، لذلك أرى ان حديثي عن الثلاثة يجب ان يكون الأصدق ، والأعمق ، والأجرأ ، دون مواربة او تأتأة ، او لف او دوران .

وأختم ببيت من الشِعر يقول :—
ما بالنا نغفو ويسهر غيرنا / ويُعِدُّ عُدّته ونحن نِيامُ .

Share This Article