الخشمان يكتب.. الفطرة الأخلاقية بين الخطاب والامتحان العالمي

2 د للقراءة
2 د للقراءة
الخشمان يكتب.. الفطرة الأخلاقية بين الخطاب والامتحان العالمي

صراحة نيوز- بقلم النائب الكابتن زهير محمد الخشمان يكتب :

غزة اليوم ليست مجرد مكان يُذكر في الأخبار، بل هي المقياس الأخلاقي الذي يعيد تشكيل مفهوم الشرعية في العالم. عندما تُسقط القنابل على المستشفيات ويحاصر الأطفال بالجوع والحصار، لا مجال للحياد أو الجدال السياسي البارد. هنا يصبح الصمت تواطؤًا، والتبرير سقوطًا أخلاقيًا حضاريًا. وفي هذا السياق، جاء خطاب الملكة رانيا العبدالله ليؤكد أن “غزة هي العدسة التي تفرض علينا رؤية الأمور بوضوح أخلاقي لا يقبل التأويل”.

هذا الوضوح الأخلاقي ليس مجرد شعار، بل معيار جديد للعلاقات الدولية. فمن يغض الطرف عن دماء الفلسطينيين يفقد شرعيته، ومن يوازن بين الضحية والجاني يفقد إنسانيته قبل مصداقيته. الملكة، من منبر دولي، لم تكتفِ بالتعاطف، بل أعادت تعريف الحضارة: ليست في ما تنتجه المصانع أو تعلنه الأسواق، بل في كيفية تصرف العالم عند امتحان ضميره.

الرسالة واضحة للعواصم الكبرى: النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية فقد توازنه الأخلاقي، وغزة كشفت ذلك جليًا. الشرعية لم تعد تُمنح بالدبابات أو بمقاعد مجلس الأمن، بل تُكتسب بالدفاع عن الإنسان بلا انتقائية أو ازدواجية.

وعندما تحدثت عن “الفطرة الأخلاقية”، لم تكن مجرد دعوة دينية أو وجدانية، بل مشروع سياسي يعود بالبشرية إلى جوهرها: حيث العدل رحمة، والقوة أمانة، والإنسانية معيار الحكم. في عالم يهيمن عليه المصالح، تذكّرنا بأن المصالح وحدها لا تصنع استقرارًا ولا تاريخًا. الاستقرار بلا عدالة هو وهم، والتاريخ بلا أخلاق هو خطيئة.

أما الشباب الذين حيّتهم بوصفهم “جسدوا الشجاعة الأخلاقية في عالم تائه”، فهم أكثر من مجرد متظاهرين، بل هم نذير التحول القادم. الجيل الذي يرفع صوته في الجامعات الغربية، ويخاطر بمستقبله من أجل فلسطين، يعيد رسم الخريطة الأخلاقية للعالم. هؤلاء يعلنون أن الضمير لا يُشترى ولا يُباع، وأن السياسات التي تعاند هذه الفطرة ستسقط عاجلًا أو آجلًا.

الأردن ليس غريبًا عن هذه الرسالة، بل هو نموذج حيّ للشرعية الأخلاقية التي تمنح وزنًا سياسيًا يتجاوز الموارد. رغم محدودية إمكاناته، احتضن ملايين اللاجئين وظل صادقًا في دعم القضية الفلسطينية، وصوتًا قويًا ضد التهجير والإبادة. الفعل الأردني هو تجسيد حقيقي لما دعت إليه الملكة: الإنسانية ليست خيارًا إضافيًا، بل هي جوهر الهوية السياسية.

Share This Article