صراحة نيوز – بقلم / العين فاضل محمد الحمود
في المكسيك انطلقَ صوتُ الضمير على لسانِ جلالة الملكة رانيا العبد الله المعظمة والتي تحدثتْ بصوتِ الثقة وإحساس الألم عمّا يدورُ في غزّة هاشم لتهزّ أركانَ الصمت المُطبق والسكوت المعيب بعدَ أن أشاحتْ عيون الأخلاق عن وابلِ الانتهاكات الغير مسبوقة في أرضٍ حُرقَ شجرها وسُحِنَ حجرها وقُتلَ بشرها وتعالى عويلُ نسائها وصَمَتَ أطفالها بعدَ أن تلاشتْ قُدرتهم على البُكاء فالجوعُ نهش السنتهم والفقدُ تحشرجَ في صوتهم لتُسجلَ هناك سابقةً إجرامية لم نرَ ولم نسمع عن مثيلها .
في المكسيك تخاطفتْ وسائلُ الإعلام العالمية ما جاء في خطابِ جلالة الملكة وهي تبُثّ زفيرَ الوجع على ما بحدثُ لأهلنا في القطاع بلغةِ الأخلاق والمنطق فكانت الحُجةُ المتينة والحقيقية المُهينة المُحرجة لكل شُعوبِ الأرض التي أسدلتْ السكوت على الواقعِ المأساوي الذي فرضتهُ عنجهيةُ الكيان المُحتل في الضفةِ والقطاع والتي اجتثّتْ من خلالهِ فُرصُ السلام واوجدتْ بيئةً تتنامى فيها الإضطرابات السياسية وتُنزعُ فيها حكاياتُ الأمن والسلام وتُغير المفاهيم وتزرعُ الشبهةَ حول الإسلام لتؤكدَ هنا أن لا سبيل إلى الخلاص من هذا الواقع المؤلم إلا بترسيخِ لُغة الحوار بينَ الثقافات وتوضيح مفاهيم الإسلام الحقيقي وكفِّ يد الأذى عمّا تبقى من حياةٍ في قطاع غزّة .
إن حديثَ جلالة الملكة عن حجمِ الدمار الذي يُرى في قطاعِ غزة ما هو إلا كارثة إنسانية نهشتْ بها أنيابُ الوحشية أجسادَ المُهجّرين الجياع وعكستْ صورةً واضحةً لا يُمكن إنكارها ليشملَ التقتيل والتنكيل والتجويع لشعبٍ بأكمله تحتَ حصارٍ بالكاد يسمحُ بدخولِ الهواء لينالَ من كل شيءٍ هناك حتى وصل إلى الأطباء الذين تلاشتْ قُدرتهم على العملِ بعدَ أن انقطعتْ الإمدادات عنهم وارتجفتْ اياديهم من الجوعِ وصحفيون يُقتّلونَ دون محاسبةٍ بذنبِ نقلهم لحقيقةِ ما يجري هناك بعدَ أن زُيّفتْ الحقائق وبُرّرت الإعتداءات وفَرضتْ الروايات الزائفة ما اعتُقِدَ بأنها حقائقُ غير قابلةٍ للنقاش .
العدسةُ الأخلاقيةُ هو ما نُشِر على مواقعِ التواصل الاجتماعي مؤيدًا لحديثِ جلالة الملكة بعدَ أن أكدتْ أن غزةَ اليوم تُشكلُ العدسةَ التي تفرضُ علينا رؤية الأمورِ بشكلٍ اخلاقي وأن لا مناصَ اليوم من وقفةِ تأملٍ صادقةٍ تُعيدُ تقييم الأسس التي تُبنى عليها الأخلاق بعدَ أن أصبح الحِسُّ الاخلاقي ضعيفًا في عالمٍ تزايدتْ به الفوضة وتنامى به الشَتات وغطّى ضجيجهُ على صوتِ الإنسانية بعدَ أن غابت القيمةُ عن واقعٍ باتَ لا يقبل إلا بتصنيفات الإقتصاد والنفوذ فزادت المُعاناة على بلدٍ كالأردن بعدَ أن فتح أبوابهِ لملايين من شُرّدوا بسببِ النزاع وبسبب قناعاته الراميةِ إلى السلام والوقوف للحقّ .
بسم الله الرحمن الرحيم ( افَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ )صدق الله العظيم من سورة الحج وتحديدًا الآية (٤٦) استشهدتْ جلالة الملكة بهذا النص العظيم الذي يشرحُ واقعَ ما نُشاهدهُ الآن فغياب لُغة العقل عن القلوبِ والإعراض عن سماعِ الحقيقة ما هو إلا عمى للقلوبِ قبل الأبصارِ وغياب الفِطرة الأخلاقية والسكوت عن الحق وقُبول الباطل ليكون بذلك حديث جلالة الملكة بلسانِ الصدق والحق يُلخصُ قناعة الأردن والأردنيين الذين التفّوا حول مليكهم العظيم وولي عهدهِ الأمين ومليكتهم المُحبة في موقفٍ ثابتٍ يُسجّلهُ التاريخ ويشهدُ عليه المكان والزمان .