صراحة نيوز -بقلم المستشار عارف عواد السطام
إن الحال الذي وصلت إليه مستشارية شؤون العشائر يعكس حالة من القلق المشروع، والغضب المحب تجاه التراجع الكبير في دور هذه المؤسسة، التي من المفترض أن تكون الصوت الحقيقي للعشائر الأردنية لا مجرد واجهة رمزية.
فالمستشارية ليست “عقالاً وشماغاً “، وليست محجاً للبعض ومحرّمة على البعض الآخر، كما أن دورها لا يقتصر على تأدية واجبات العزاء أو الحضور الشكلي في المناسبات.
نحن اليوم في مئوية الدولة الثانية، ولا يليق بمؤسسة كهذه أن تعود إلى الوراء، بل يفترض أن تكون في موقعها الطبيعي كهمزة وصل بين جلالة الملك والعشائر الأردنية، كما أرادها ورسم معالمها الهاشميون منذ عهد الملك المؤسس عبد الله الأول طيب الله ثراه.
لقد تأسست المستشارية على يد الآباء والأجداد في مرحلة بناء الدولة، وكانت وما تزال واحدة من أقدم مؤسسات الدولة الأردنية. وكان دورها تاريخياً محورياً في تمثيل العشائر الأردنية تمثيلاً حقيقياً ، بعيداً عن الإقصاء والانتقائية، لكنها اليوم باتت منغلقة على نفسها، تعاني من التراجع والتقوقع وغياب التأثير.
وقد كنا نأمل خيراً بتعيين مستشار جديد، علّه ينهض بالمؤسسة ويعيد لها بريقها، لكن الواقع أثبت أن هناك انكفاءً واضحاً على الذات، وابتعاداً متعمّداً عن العشائر وممثليهم الحقيقيين، لم تعد المستشارية منفتحة على الآراء أو المبادرات، بل أُغلقت الأبواب في وجه كل من يحاول تقديم الرأي السديد أو الطرح الوطني البناء، حتى غدت بلا دور يُذكر سوى الاسم.
إننا، أبناء بني صخر، وُلدنا مع هذه المستشارية، وساهمنا في بنائها وإسنادها، ونعتبرها مؤسسة وطنية تمثل أخلاق العشيرة وقيم الانتماء، لكننا اليوم نرى استثناءً واضحاً لنا من الفعاليات والبرامج والدعوات، وكأن أبناء البادية الوسطى الأردنية لم يعودوا جزءاً من النسيج الوطني.
لقد أصبحت الوظائف والتكليفات داخل المستشارية حكراً على فئة بعينها، لا تمثل تنوع المجتمع العشائري الأردني، بل تسير بعكس النهج الوطني الجامع الذي نادى به جلالة الملك في كل خطاب ومحفل .
وإن التراجع في دور المستشارية لم يقتصر على التمثيل، بل شمل غيابها عن ملفات حيوية كالتعليم، وتقليص مكرمة أبناء العشائر، ومنح الألقاب العشائرية لصالح غيرهم، وحتى إيصال صوت العشائر إلى جلالة الملك.
من هنا، فإننا نطالب بصوت عالي ومرتفع بالعودة الجادة إلى تنفيذ التوجيهات الملكية السامية، والانفتاح على جميع أبناء العشائر دون تمييز أو تحيّز، ووضع برامج واضحة زمنياً، تتكامل مع مؤسسات الدولة في خدمة البادية وأهلها، كما نطالب بإحياء الشراكة الحقيقية مع المجتمع المحلي ومؤسساته، وتكريس دور المستشارية كحلقة وصل لا غنى عنها في المشروع الوطني.
إن رسالتنا هذه لا تُعد هجوماً أو تشكيكًا، بل تعبيراً صادقاً عن حرصنا العميق على الوطن، وولائنا الثابت للقيادة الهاشمية، وخوفنا على مستقبل مؤسسة كانت تلعب دوراً أساسياً محورياً في حفظ التوازن الاجتماعي والسياسي، وتعزيز الانتماء الوطني.
إننا نؤمن بأن القيادة الهاشمية كانت وستبقى الأقرب إلى نبض الأردنيين، والأكثر عدلاً في إنصافهم. ولكن المستشارية، للأسف، باتت تشكّل عائقاً أمام أبنائنا وبناتنا بنات البادية بدل أن تكون عوناً لهم ، ولم تعد تمثل البادية الأردنية كما ينبغي لها وكما ينبغي بدورها ودور موظفيها ، ففقدت دورها في إيصال صوت المواطنين إلى جلالة الملك وولي عهده الأمين.
ولذلك، فإننا في عشائر بني صخر ندعو إلى زيارة ملكية كريمة وقريبة للبادية الوسطى والوقوف على همومنا وفتح أبواب المستشارية لنا ولابنائنا وبناتنا ، كما يفرض حق الجيرة والوفاء التاريخي، إذ إن الهاشميين عندما قدموا إلى هذه الأرض الطيبة، كان بنو صخر في مقدمة مستقبلينهم ، وظلوا على العهد والوعد صفاً واحداً خلف القيادة، يقدمون الغالي والنفيس من أجل الوطن.
إن أبناء العشائر البدوية الأردنية، الذين لطالما وقفوا خلف القيادة الهاشمية صفاً واحداً ، لا يطلبون أكثر من أن تُفعّل المؤسسات الوطنية — وعلى رأسها مستشارية شؤون العشائر — لتعود كما أرادها جلالة الملك صوتاً حقيقياً للعشائر، وجسراً فعالاً بين الدولة والمواطن، وشريكًا صادقاً في مسيرة التحديث والتنمية، فالعشائر جزءًا لا يتجزأ من نسيج هذا الوطن، وأي تراجع في تمثيلهم وخدمتهم وهذا التراجع الذي لمسناه عن قرب هو تراجع لم تشهده الدولة من قبل في مشروع الدولة الوطنية الحديثة التي نطمح جميعاً إلى إنجاحه.