من الحظر إلى التنظيم: هل ينجح الأردن في ضبط عالم العملات الرقمية

4 د للقراءة
4 د للقراءة
من الحظر إلى التنظيم: هل ينجح الأردن في ضبط عالم العملات الرقمية

صراحة نيوز- بقلم / احمد عدنان يوسف الرواشدة

شهد العالم في العقد الأخير ثورة رقمية غير مسبوقة في مجال التعاملات المالية، تمثلت بانتشار العملات الرقمية والأصول الافتراضية التي تجاوزت حدود الجغرافيا والأنظمة التقليدية. وفي ظل هذا التطور، أصدرت المملكة الأردنية الهاشمية قانونًا جديدًا هو قانون تنظيم التعامل بالأصول الافتراضية رقم (14) لسنة 2025، ليكون الإطار التشريعي الأول من نوعه في الأردن. وقد اعتُبر هذا القانون نقلة نوعية من سياسة المنع والحظر إلى سياسة التنظيم والتقنين. ومع ذلك، فإن القراءة المتأنية لأحكامه تكشف عن جملة من الإشكاليات والانتفاضات التي قد تحدّ من فعاليته، بل وتضعه في مواجهة نقد فقهي وتشريعي واسع.
أولاً: ضيق نطاق الترخيص
اقتصر القانون على خمسة أنواع رئيسية من التراخيص: التداول، الحفظ، إدارة المحافظ والاستثمار، إصدار الأصول الافتراضية، والخدمات المساندة. ورغم أهمية هذه الفئات، إلا أن الواقع العملي يشهد بروز مجالات جديدة مثل التمويل اللامركزي (DeFi) ، والرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs) ، وتطبيقات الميتافيرس، وهي قطاعات لم ينظمها القانون صراحة. وأن التوسع في انواع التراخيص الممكن منحها يشجع من بيئة الاستثمار بالاضافة الى تشجيع للشركات الناشئة والشركات الصغيرة حيث وان تعدد التراخيص يشكل حافز لخلق بيئة استثمارية محلية وعالمية داخل السوق الاردني سيما وان الاردن بمجمل قوانينها لديها بيئة استثمارية مستقطبة.
ثانياً: التشدد في العقوبات
نص القانون على عقوبات صارمة بحق المخالفين، تمثلت بالسجن والغرامات المالية الباهظة التي تتراوح بين (50,000 – 100,000) دينار أردني، بالإضافة إلى إغلاق المحلات ومصادرة الموجودات. هذا النهج الزجري المبالغ فيه يثير انتقادًا جوهريًا، إذ كان بالإمكان الاكتفاء بالعقوبات الإدارية والمالية، أسوةً بالنماذج المقارنة، مع الإبقاء على العقوبات الجزائية للحالات القصوى فقط.
ثالثاً: إغفال المحافظ غير الحافظة (Non-Custodial Wallets)
أولى القانون عناية خاصة بالمحافظ الحافظة (Custodial Wallets) ، التي تخضع لترخيص وإشراف هيئة الأوراق المالية. لكنه أغفل المحافظ غير الحافظة التي تمثل العمود الفقري لتعاملات العملات الرقمية عالميًا، حيث يحتفظ المستخدم بمفاتيحه الخاصة دون تدخل طرف ثالث. إن هذا التجاهل يخلق فراغًا تشريعيًا خطيرًا ويضع شريحة واسعة من المستخدمين في منطقة رمادية غير منظمة.
لا بد من الاعتراف بأن المشرّع الأردني تحرك بدافع حماية الاقتصاد الوطني والمستثمرين الأفراد من مخاطر غسل الأموال والاحتيال والجرائم المالية. كما أن استحداث القانون جاء تماشيًا مع توصيات مجموعة العمل المالي (FATF) الرامية إلى تعزيز الرقابة على الأصول الافتراضية. ومن هذه الزاوية، يمثل القانون خطوة أولى نحو إدخال الأردن إلى النظام المالي الرقمي المنظم.

الخاتمة والتوصيات
إن قانون الأصول الافتراضية الأردني لسنة 2025 يُعد خطوة هامة في الاتجاه الصحيح، لكنه ليس خاليًا من الثغرات وكان على المشرع الاردني تبني اليات رقابية أكثر ديناميكية في مواجهة غسل الاموال عبر الاصول الافتراضية وذلك من خلال إلزام مزودي الخدمات المالية الرقمية بتطبيق قاعدة السفر (Travel Rule) والتي أقرتها مجموعة العمل المالي (FATF ) الى جانب تطوير اليات تتبع تعتمد على تحليل البلوكشين لرصد التحويلات المشبوهة. كما يُستحسن إدراج المحافظ غير الحافظة ضمن نطاق المراقبة الجزئية، بما يحول دون استغلالها كمنصات مظلمة لنقل الأموال غير المشروعة من خلال تدقيق خاص بالمحافظ غير الحافظة بدل ان يتم تجاهلها، يقترح وضع آلية “تصريح” للمستخدمين الكبار للمحافظ غير الحافظة (Non-custodial) إذا تجاوزت تعاملاتهم سقفًا معينًا. ومن أجل تعزيز فاعليته وضمان توازنه بين الرقابة والابتكار، لا بد من المشرع الاردني توسيع نطاق الأنشطة المشمولة بالترخيص ليشمل قطاعات ناشئة مثل DeFi وNFTs والميتافيرس. بالاضافة الى توسيع نطاق التحقق ليشمل المستفيد الحقيقي (Beneficial Owner) وليس فقط العميل المباشر. وتعزيز أنظمة KYC (اعرف عميلك) والنص على إلزام جميع مزوّدي خدمات الأصول الافتراضية بتطبيق إجراءات تحقق صارمة من هوية العملاء.وكان لا بد من استحداث آلية Sandbox التي تسمح بتجربة مشاريع مبتكرة تحت رقابة مخففة ومؤقتة. تعزيز الشفافية والحوار بين المشرع والقطاع الخاص والمستثمرين لضمان صياغة تشريعات أكثر واقعية ومرونة

Share This Article