تأييد الغرب .. وتَنَكُّر العرب

8 د للقراءة
8 د للقراءة
تأييد الغرب .. وتَنَكُّر العرب

صراحة نيوز-بقلم / عوض ضيف الله الملاحمة

والله إنني لا أدري هل انا فَرِحٌ ، أم حزين . هل انا فرِح بالمظاهرات والمسيرات والإحتجاجات التي تجتاح شوارع معظم مدن الغرب ، تأييداً للقضية الفلسطينية ، وتعاطفاً مع الدم الفلسطيني الذي يُهرق منذ عامين وبمعدل ( ١٠٠ ) شهيد يومياً ؟ أم هل انا فرِح باعتراف حوالي ( ١٥١ ) دولة من دول العالم بالدولة الفلسطينية ؟ أم انا حزين على الموقف العربي المتخاذل من القضية الفلسطينية عموماً ، وغزة خصوصاً ؟

فيما يتعلق بالمتظاهرين في معظم مدن الغرب ، هم صادقون في مشاعرهم وعواطفهم ، وقد تحولوا من أعداء للقضية الفلسطينية ، ومناصرين أشداء متعصبين للكيان ، الى مناصرين للحق الفلسطيني . تبين انها شعوب صادقة ، جريئة ، تقف مع الحق والصدق اذا وصلها .

الحمد والشكر لوسائل التواصل الاجتماعي لأنها هي السبب المباشر ، والحقيقي ، والوحيد لكشف الغُمّة عن المجتمعات الغربية المتحضرة . لأن سيطرة ماكينة الإعلام الصهيونية على كافة وسائل الإعلام في دول الغرب ، هو الذي ( حجب الحقيقة ) . حيث كانت كافة وسائل الإعلام في الغرب هي أبواق دعائية للصهيونية . فكانت توجه شعوب الغرب بما يشحنها ضد القضية الفلسطينية خصوصاً ، والعرب عموماً ، وتحقن الرؤوس وتوجهها لدعم الكيان الصهيوني على إعتبار انه واحة ديمقراطية متحضرة في وسط غابة من الوحوش المتخلفين . وما ان جاءت وسائل التواصل الإجتماعي حتى كُسِرت هذه القيود وهذه الحواجز ، وظهرت حقيقة الكيان وإجرامه ، كما أظهرت ان هناك شعباً تم طرده من أرضه ، وتم إحلال مهاجرين لَمَمّْ من كافة أقطار العالم واستوطنوا أرضاً ليست أرضهم . فجاءت هبة شعوب الغرب لتُنصِف المظلوم الحقيقي وتعادي الظالم .

بلغ عدد الدول التي اعترفت بدولة فلسطين كدولة ذات سيادة ( ١٥١ ) دولة ، من أصل ( ١٩٣ ) دولة عضو في الأمم المتحدة ، اي بنسبة بلغت ( ٧٨٪؜ ) . ويعتبر هذا من حيث المبدأ إعترافاً مُذهلاً ، ومتسارعاً بشكل لا يُصدق . لكن هذا لا يُذهِب الخشية من الغاية والنوايا ، خاصة عندما نعرف ان من ضمن تلك الدول بريطانيا وفرنسا . وان نتذكر ان بريطانيا تحديداً هي التي زرعت هذا الكيان السرطاني في قلب الوطن العربي .

الإعتراف المتسارع بفلسطين كدولة يشي بشكوك ، وهناك أموراً مُقلقة في هذا الإعلان ، منها : —
١ )) لم يتم تحديد الوطن او الأرض التي ستقام عليها الدولة الفلسطينية ؟ ولأن بريطانيا من المعترفين والمتحمسين لذلك ، ولما خبرنا من دهاء عند البريطانيين ، اعتقد انه لا يغيب عن بالهم ان يتم تحديد الجغرافيا التي ستقام عليها الدولة الفلسطينية ؟ ربما يقصدون ان تقام على الأراضي الأردنية ؟ او ربما في الصحراء الواقعة الممتدة بين الأردن والعراق وسوريا والسعودية ؟ او ربما في سيناء بعد ان يتم تهجير أهل غزة اليها ، إذا نجحوا في ذلك ؟
او ربما تعلن دولة فلسطينية الساعة ( ١١ ) ليلاً ، وبعد الساعة ( ١٢ ) منتصف الليل يعلن اتحادها فيدرالياً او كونفدرالياً مع الأردن ، ( يعني الوطن البديل ) ، وهذا مقترح منذ منتصف التسعينات . وإطلعت على تفاصيله من الصديق الفقيه الدستوري معالي المرحوم الدكتور / محمد الحموري ، في زيارته الى ابوظبي بعد إستقالته من حكومة طاهر المصري ، ومعه معالي المرحوم / محمد فارس الطراونة ، ومعالي المرحوم / سليم الزعبي . وهذا يتطابق مع خطة / سموتريش ، بأن ضم الضفة الغربية سيتم ضم أكبر مساحة من الأرض بأقل عدد من العرب .
٢ )) التناغم الفرنسي البريطاني في هذا الأمر يذكرنا بالتناغم الذي كان بينهما في بدايات القرن العشرين والذي أسفر عن نشوء الكيان الصهيوني .
٣ )) ما يبعث على الخوف ان الكيان لم يعبأ ولم يرهب هذه الهبة الداعمة للقضية الفلسطينية ، وهو الذي يرتعب من اي تغير إيجابي باتجاه القضية الفلسطينية مهما صَغُر .
٤ )) أتخوف من ان سبب هذا الإندفاع والتسارع في تأييد الإعتراف بدولة فلسطينية ان سببه إلتقاء الإرادة الجمعية العربية والأوروبية لتنفيس ضغط الشارع بهكذا إعلان ( هُلامي ) ( إنشائي ) ( ناقص ) . والا لو كانت النوايا سليمة لتمت إضافة جملة واحدة لتحديد جغرافية الدولة الفلسطينية التي يسعون اليها ، مثلاً مثلما ورد في المبادرة العربية التي تبنتها السعودية بأن تقوم الدولة الفلسطينية على ( على حدود عام ١٩٦٧ ) .
٥ )) ربما ان الغاية من إعلان الدولة الفلسطينية وأيدته الدول العربية ، يقصد منه تفريغ الغضب بين الجماهير العربية ، وتفريغ الغضب في شوراع اوروبا ، ليقنعوا المؤيدين للقضية الفلسطينية باننا نعمل ما بوسعنا ، و ( نجترح ) حلولاً .

ما يحدث في شوارع الغرب مفاجيء ، ومذهل ، ويبعث على الفخر ، ويؤكد ان الغُمّة التي كان يكرسها الإعلام الصهيوني او المتصهين قد إنجلت ، وان شعوب الغرب تناصر الحق دوماً . وهذا هو ديدن الشعوب او الدهماء فانها دوماً مع الحق والصدق .

في الوقت الذي تناصر شوارع الغرب القضية الفلسطينية وتدعمها ، وتتضامن معها وتؤيدها ، بل واصبحت تؤمن بها . نجد ان النظام الرسمي العربي عمِل على محورين لضرب القضية في مقتل . فمن جهة تخلت الأنظمة العربية عن عروبتها وقوميتها عامة حتى تتنكر للقضية برمتها . ومن جهة ثانية إتبعت كافة سبل القهر لإسكات الشارع العربي بل وإخراسه . حتى صمتت شوارع المدن العربية وماتت موتاً تدريجياً بطيئاً لدرجة اننا لم نعد نسمع ان فيها حياة كما كانت .

المحرج ان التأييد الغربي للقضية الفلسطينية وصل الى حدود يصعب تصديقها : ففي البرلمانات الغربية تمت حوارات ومشاحنات كبيرة . كما وصل الأمر الى رفض طيارين أمريكان لقيادة طائرات تحمل أسلحة وذخيرة للكيان . كما هدد عمال الموانئ البحرية الإيطالية باغلاق الموانئ أمام السفن الإسرائيلية اذا منع الكيان قافلة كسر الحصار على غزة من الوصول الى شواطئ غزة . اما إسبانيا فلا يمكن توصيف موقفها من العدو الذي أصبح عدائياً . كما لا بد من الإشارة الى ان العلم الفلسطيني قد إنتشر بشكل مذهل في كافة أرجاء العالم ، لدرجة ان احدى البلديات الفرنسية رفعت علم فلسطين على مبناها . وها هو العلم الفلسطيني يرفرف على السفارة الفلسطينية في لندن .

الغريب ان أصحاب القضية وأهلها تخلو عنها ، ونفضوا اياديهم منها ، والغرب الذي زرع الكيان ودعمه وأمده بالهجرات قبل المعدات يتبنى القضية . والله عجيب يا زمن .

القضية حيّة ، والكيان الى زوال ، والخاسر هو المتخاذل ، والأيام دولٌ ، والتاريخ لا يرحم ، ووصمة العار تكون أبدية ، وعلينا ان لا نخاف ، ولا نتشكك من تحقق نصرٍ كفله ربّ العباد جلّ في عُلاه .

وأختم بأبيات للشاعر العراقي العملاق / احمد مطر ، حيث يقول :—
وإذا تركت أخاك تأكله الذئاب
فأعلم بأنك يا أخاه ستستطاب
ويجيء دورك بعده في لحظة
إن لم يجئك الذئب تنهشك الكلاب .

Share This Article