صراحة نيوز-بقلم: د. خلدون فرحان نصير
حين تولى يوسف حسن العيسوي رئاسة الديوان الملكي الهاشمي عام 2018، لم يكن ذلك مجرد تغيير في الموقع، بل كان بداية لتحول تدريجي في صورة الديوان ودوره، وطريقة تواصله مع الناس.
الرجل الذي جاء من خلفية إدارية وعسكرية وميدانية، لم يكن اسمه يتصدر عناوين الأخبار، لكنه مع مرور الوقت بات عنوانًا لتحول ملموس في واحدة من أهم المؤسسات السيادية في الدولة الأردنية.
لطالما ارتبط الديوان الملكي في أذهان الناس بالمكان المغلق، الحاضر بقوة في المناسبات الوطنية والسياسية، والبعيد عن تفاصيل الحياة اليومية.
لكنه في عهد العيسوي بدأ يأخذ شكلًا مختلفًا، أقرب إلى ما يمكن وصفه بالمكتب المفتوح، حيث اللقاءات المباشرة، وتلقي الطلبات، ومتابعة القضايا، وحتى تنفيذ المكارم الملكية بطريقة مدروسة وأكثر عدالة.
العيسوي لم يغير فقط في شكل العلاقة بين الناس والديوان، بل أعاد رسم دور هذه المؤسسة في الحياة العامة. أصبح المواطن يرى أن بإمكانه الوصول إلى الديوان، أو أن صوته قد يصل من خلال رسالة، أو لقاء، أو طلب يتم متابعته من قبل فريق ميداني. هذه ليست مجرد تغييرات شكلية، بل تعبير عن فلسفة مختلفة في الإدارة، تنطلق من فكرة أن التواصل، مع الناس لا يجب أن يكون مناسباتي أو موسمي، بل مستمر، ومرتبط بحلول واقعية.
ما ميّز فترة العيسوي أن الديوان لم يعد محصورًا في دوره الرمزي أو البروتوكولي، بل تحول إلى جهة فاعلة وميدانية، تتابع قضايا حقيقية، من إسكان الأسر المحتاجة، إلى معالجة قضايا التعليم، أو دعم الشباب، أو مساعدة المتقاعدين، أو حل مشكلات فردية لها امتدادات اجتماعية واسعة.
هذا الدور الجديد لم يكن دائمًا سهلاً، خاصة أن سقف التوقعات عند الناس يرتفع مع كل استجابة أو مبادرة. لكن كان واضحًا أن الديوان يحاول أن يلعب دور الجسر بين التوجيه الملكي وبين الواقع، دون أن يصطدم مع المؤسسات الرسمية الأخرى، ودون أن يتورط في وعود لا يمكن تنفيذها.
ومع كل هذا، فإن التحديات لا تزال قائمة. لا يمكن تحميل الديوان عبء الحلول لكل شيء، خاصة في ظل تراجع فعالية بعض مؤسسات الدولة وضعف استجابتها.
لكن وجود قيادة ميدانية مثل العيسوي، واعية لحساسية الموقع، وقادرة على تحويل التعليمات إلى خطوات عملية، ساهم في تعزيز ثقة الناس بأن هناك جهة تسمع، وأن هناك بابًا لا يزال مفتوحًا.
التحول الذي حصل في الديوان الملكي خلال السنوات الماضية ليس معجزة، بل نتيجة نهج واعٍ يقوم على البُعد الإنساني والتواصل المباشر، والإيمان بأن القرب من الناس لا يُضعف الدولة، بل يُعزز حضورها.
هذه التجربة، حتى وإن كانت غير مكتملة، تُثبت أن المؤسسات حين تُدار بعقلية ميدانية، وبعيدًا عن التعالي، يمكن لها أن تستعيد مكانتها واحترام الناس لها.