صراحة نيوز – كتبت سمو الأميرة سميّة بنت الحسن، رئيس الجمعية العلمية الملكية، مقالًا صحفيا بعنوان: “عمر ياغي.. حين يصنع الأردنيون المستقبل بالمعرفة”. تاليًا نصه:
“في لحظةٍ فريدةٍ من لحظات الفخرّ الأردني، لمع اسم البروفيسور عمر ياغي في سماء العالم كنجم من نورٍ لا يخبو، معلنًا ميلاد فصلٍ جديد من حكاية الإبداع الأردني ومن عمّان التي أحبّها صغيرًا، إلى مختبراته في جامعة كاليفورنيا حيث شقّ ياغي طريقه بثبات العلماء الكبار، حتى بلغ قمّة المجد العلمي بحصوله على جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2025.
لم يكن فوز ياغي مجرّد تتويجٍ لإنجازٍ فردي، بل هو لحظة وطنية خالدة تُسجَّل في ذاكرة الأردن والعرب، إذ امتدّ ضوء هذا الإنجاز إلى قلوب الأردنيين جميعًا، الذين رأوا في ابنهم برهانًا على أن الإصرار والمعرفة قادران على نقل الحلم من عمّان إلى منصة نوبل.
جاء فوز البروفيسور ياغي بهذه الجائزة تقديرًا لإسهاماته الرائدة في ابتكار هياكل جزيئية ذات فراغات واسعة تُعرف بـ”الأطر المعدنية العضوية” وهي موادّ تمتاز بقدرتها على تمرير الغازات والمواد الكيميائية عبرها، مما جعلها أداة علمية ثورية في جمع المياه من هواء الصحراء، واحتجاز ثاني أكسيد الكربون، وتخزين الغازات السامة، وتحفيز التفاعلات الكيميائية بذلك تكون قد فتحت الطريق أمام الحصول على مياه نظيفة وطاقة متجددة وحلول للتحديات البيئية الكبرى في عصرنا.
لقد جسّد ياغي جوهر الدبلوماسية العلمية، تلك التي لا تُمارَس في القاعات الرسمية، بل في فضاءات الاكتشاف والبحث والتعاون الإنساني فبينما قد تعجز السياسة عن مدّ الجسور، ينجح العلم في بنائها، مؤكدًا أن الفضول والاحترام والمعرفة المتبادلة هم اللغة الأصدق بين الشعوب في سعيها نحو التقدم المشترك والارتقاء بالعلم العالمي الى آفاق جديدة والتي تعكس إيمانك بأن العلم يتجاوز الجغرافيا والثقافة.
بدأت قبل خمسة عشر عامًا في التواصل مع العلماء الأردنيين المغتربين حول العالم، بهدف الاحتفاء بإنجازاتهم ومن خلال هذا المسعى، تعرفت عليك، وأصبحت جزءًا من رحلتي العلمية والإنسانية.
ولقد حظيت بشرف المشاركة في حديث جلالة الملك عبدالله الثاني عن طموحاتك وإنجازاتك المتنامية، ورافقتك في زيارتك لمقامه في السادس عشر من أيار 2017 وخلال تلك الزيارة، قلدك جلالته بوسام الملك عبدالله الثاني ابن الحسين للتميّز من الدرجة الأولى، وهو من أرفع الأوسمة الوطنية، كتكريم مستحق لجهودك وإبداعاتك العلمية.
وفي تشرين الثاني 2017، عدت إلى الأردن كضيفٍ مكرّم ومتحدثٍ متميّز في المنتدى العالمي للعلوم (المنتدى الثامن للعلوم)، والذي يُعد أكبر تجمع علمي من نوعه استضافه الأردن ومنحك جلالة الملك عبدالله الثاني لقب نجم الأردن للعلوم في مجال الكيمياء، مما أتاح لجمهورٍ جديد من العلماء وصنّاع القرار، بل وحتى من الأردنيين العاديين، فرصة التعرف على عبقريتك ورؤيتك وسخائك العلمي، والتي تجلت في منتدى حمل شعار “العلم من أجل السلام”.
لقد شكّل تعاونك مع جمعيتنا العلمية الملكية (Royal Scientific Society) تجسيدًا حيًّا لإيماننا المشترك بأن العلم ليس غايةً بحد ذاته، بل وسيلةٌ لخدمة الإنسان وصون الكوكب ومن خلال هذه الشراكة المثمرة، وُضع الأساس الذي عزّز دور الأردن في تطوير علوم المواد، وفتح آفاق الأمل أمام الباحثين الشباب ليؤمنوا بأن الابتكار يمكن أن يزدهر ويثمر هنا، في أرضهم ووطنهم وعلى مدى عقود مضت الجمعية العلمية الملكية بخطى ثابتة لترسيخ العلم والبحث المبني على الأدلة في صميم السياسات الوطنية، انطلاقًا من قناعة راسخة بأن مستقبلًا يصوغه العقل وتقوده المعرفة هو أسمى صور الصمود الوطني وأصدقها.
وفي الإطار ذاته، لبّى البروفيسور عمر ياغي الدعوة ليكون أحد الزملاء المؤسِّسين في الأكاديمية الأردنية للعلوم والهندسة (JNAse)، في خطوة تعبّر عن رؤيته المشتركة مع القائمين عليها لبناء مجتمعٍ علميٍّ أردني متكامل ومتماسك وتجسيدا لرؤيتنا المشتركة في بناء مجتمع علمي أردني مترابط وممكّن وتمثّل هذه الأكاديمية منصة وطنية للاحتفاء بالتميّز الأردني في مختلف مجالات المعرفة، وفضاءً لتعزيز التواصل والتعاون بين العلماء والباحثين الأردنيين في الداخل والخارج، بما يسهم في توحيد الجهود العلمية وترسيخ مكانة الأردن على خريطة الابتكار العالمية.
لطالما أكّد البروفيسور عمر ياغي أن العلم ليس طريقًا مختصرًا نحو المجد، بل رحلةٌ تتطلّب الوقت والصبر والشجاعة. فالاكتشاف الحقيقي لا يولد على عجل، وإنما ينضج بهدوءٍ في عقولٍ تؤمن بأن الإصرار جزء من المعادلة العلمية وقد جاءت احتفالات نوبل الأخيرة لتذكّرنا بهذه الحقيقة البسيطة والعميقة في آنٍ واحد: أن أجمل ما في العلم والحياة يستحق الانتظار، وأن ما يبدو بطيئًا اليوم قد يكون هو العمل الراسخ الذي يغيّر وجه العالم غدًا.
وكإبن لأسرة فلسطينية لاجئة نشأت وتشكلت ملامحك في الأردن،الوطن الذي صاغ أحلامك ومنحك القوة لتحقيقها، وفي أروقة مكتبة مدرستك الأردنية اكتشفت شغفك بالمعرفة وبدأت من هناك رحلة الحلم لتؤكد أن الإبداع يوجد في أي مكان يقدر العلم ويثمنه.
بهذا الفوز يؤكد البروفيسور ياغي أن العلم الأردني قادر على الوصول إلى منصات التتويج العالمية، وأن أبناء الوطن، مهما ابتعدت بهم المسافات، يبقون أوفياء لرسالة الأردن في دعم المعرفة والابتكار وخدمة الإنسانية.
انت عالم يستحق جائزة نوبل بكل جدارة، ومع احترامي العميق ومحبتي الكبيرة أرسل لك التقدير والود الذي صاغته صداقتنا على مر السنين.
الأميرة سمية تكتب مقالًا بعنوان: “عمر ياغي.. حين يصنع الأردنيون المستقبل بالمعرفة”
