النفقة خط أحمر — حقوق المرأة ليست للتفاوض

4 د للقراءة
4 د للقراءة
النفقة خط أحمر — حقوق المرأة ليست للتفاوض

صراحة نيوز-بقلم- الخالدي

 

في مجتمعنا ما زالت بعض الأصوات تبرّر امتناع الزوج عن دفع النفقة بحجج ظاهرها الرحمة وباطنها الظلم، وكأن النفقة هبة أو منّة تُعطى للزوجة إن رضي الزوج وتُمنع عنها إن غضب. لكن الحقيقة القانونية والشرعية واحدة لا تتغير، وهي أن النفقة حق واجب لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء. فالنفقة ليست إحساناً، بل واجب مالي فرضه الله على الرجل تكريماً للمرأة وصوناً للأسرة، قال تعالى: «وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف»، وجعلها المشرع الأردني التزاماً واجباً على الزوج بمجرد قيام عقد الزواج الصحيح، يشمل كل ما تحتاجه الزوجة من مأكل وملبس ومسكن وعلاج.

الامتناع المتعمّد عن دفع النفقة ليس مجرد تقصير بل هو إيذاء مالي صريح يُدخل المرأة والأطفال في دائرة الحرمان والعوز، ويجعلهم عرضة للذلّ والضياع، وهو شكل من أشكال العنف الأسري الذي يجب أن يُواجه بالقانون لا بالعواطف. ومن هنا جاء إقرار المشرّع لوسيلة الحبس كوسيلة ردع وإجبار على التنفيذ، لا كعقوبة جنائية هدفها الانتقام. فالحبس في قضايا النفقة ليس أداة عقوبة، بل وسيلة إنصاف تُعيد التوازن وتُلزم الممتنع بالحق الذي تهرّب منه.

ويقول البعض إن الحبس لا يجلب المال وإن حبسه لا يطعم الأطفال، لكن من يعرف الواقع القضائي يدرك أن التهرب من النفقة لا ينتهي إلا بالردع، وأن معظم الممتنعين يسارعون إلى الدفع بمجرد صدور مذكرة الحبس بحقهم. فالحبس هنا أداة عدالة لا وسيلة انتقام، ولولا هذا الإجراء لبقيت آلاف النساء في أروقة المحاكم ينتظرن ضميراً لم يستيقظ بعد.

يرفع البعض شعار “الرحمة بالزوج”، ولكن أي رحمة هذه التي تُمارس على حساب الجوع والذلّ؟ الرحمة لا تكون على حساب العدالة، ولا يكون العفو جميلاً إن كان فيه ظلم لطرفٍ أضعف. المرأة التي تُحرم من نفقتها تُحرم من حقها في الحياة الكريمة، في المأوى والطعام والدواء، والقانون حين يحبس الممتنع عن الدفع فهو يحمي كرامة الإنسان لا يهينها.

والعدالة في هذا الجانب دقيقة لا تظلم أحداً، فالقانون الأردني لا يحبس من عجز فعلاً عن الدفع، بل من امتنع رغم قدرته، والمحاكم تفرّق بين المعسر الذي يثبت عجزه والمماطل الذي يخفي أمواله ويتحايل على التنفيذ. فالحبس موجّه لمن تعمّد الإضرار والتقصير، لا لمن ضاقت به السبل.

النفقة ليست مجرد مبلغ مالي، بل هي رمز للأمان العائلي والاستقرار النفسي. حين تضمن الزوجة وأطفالها أساسيات الحياة تستقر الأسرة وتستقيم العلاقات، أما حين تُترك بلا معيل فإن انهيار الأسرة يصبح مسألة وقت. لذلك فإن كل من يدعو إلى إلغاء حبس النفقة يفتح الباب أمام تفكك اجتماعي خطير ويمس أحد أعمدة العدالة الأسرية في الأردن.

من حق المرأة أن تُنفق، ومن واجب الرجل أن يُنفق، ومن يتخلف عن هذا الواجب رغم قدرته فعليه أن يتحمل نتائج امتناعه، فالحبس هنا ليس إذلالاً بل وسيلة قانونية لحماية الحق وصون الكرامة، لأن القانون لا يقف مع طرف ضد آخر بل يقف مع الحق أينما كان. ولذلك نقولها بوضوح: النفقة خط أحمر للمرأة، ومن يتجاوزه يواجه القانون بلا تهاون.

القوانين لا تُكتب عبثاً بل لتصون الحقوق وتحمي المظلوم، وإذا ألغينا الحبس في قضايا النفقة سنكون قد ألغينا أحد أهم أسلحة العدالة في وجه الظلم الأسري. فالمطلوب ليس رفع الحبس، بل رفع الوعي وتعليم الأزواج أن النفقة ليست عبئاً بل شرف ومسؤولية. من لا يصون زوجته وأولاده لا يصون مجتمعه، والعدالة ستبقى الدرع الذي يحمي المرأة من الحرمان ويحفظ للأسرة كيانها وكرامتها

المحامية :حنان محمدالخالدي ⚖️

 

Share This Article