صراحة نيوز- بقلم /د. روان سليمان الحياري
إن وقف الحرب في غزة أكثر من مجرد استراحة إنسانية أو تفاوضية، أو نهاية مرحلة من الصراع؛ بل منعطفاً استراتيجياً في مسار الإقليم بأكمله، ولحظة اختبار استراتيجي لدول الإقليم، التي تجد نفسها على تماس مباشر بين أزمات الجوار وتحولات النظام الإقليمي الجديد. فوقف النار يفتح الباب أمام فرص مستعادة على أكثر من مستوى في معادلة اليوم التالي، سواء نتحدث عن إعادة الإعمار، اوإعادة هندسة العلاقة بين الأطراف الفاعلة، الأردن عبر سياسته المتوازنة بقيادة جلالة الملك، رسخت رسالته كدولة عقلانية، ملتزمة بالشرعية الدولية، ورافضه لتحويل الصراع إلى حرب إقليمية، وركيزة استقرار في منطقة مضطربة . فتحديات الجيوبوليتيك بين بؤر التوتر وممرات المصالح، تتقاطع فيها اعتبارات الأمن الوطني، والدبلوماسية الإقليمية، والاقتصاد الداخلي. هذه المعادلة تحمل في طياتها فرصاً مستعادة، مثلما تفرض تحديات مركّبة تتطلب خطة استراتيجية دقيقة -لا تقبل التأجيل- لإدارتها، فالدور القادم في جهود ضمان تدفق المساعدات، وإعادة الإعمار.
لا بد ان ندرك أن الأمن لا يُختزل في غياب الحرب وحسب، بل في تحويل الاستقرار إلى مكسب تنموي حقيقي، وقيمة اقتصادية مضافة ، واستثمار رأس المال السياسي لخدمة الاقتصاد، لذا هي فرصة لتسريع مشاريع التحول الاقتصادي ضمن “رؤية التحديث الاقتصادي”، وإعادة توجيه الاستثمارات، وتفعيل الشراكات الاستراتيجية مع دول إعادة الإعمار، والانطلاق لفضاءات أرحب، كالتكنولوجيا والطاقة الخضراء، فالمطلوب الان، أن تتحول لحظة التهدئة إلى بداية دورة اقتصادية جديدة تُنعش البنية التحتية، وتعيد تشغيل الفنادق، وتستثمر في القوة الناعمة الأردنية التي لعبت دورا اساس في التهدئة الحاصلة الان.
فالإغلاقات الأخيرة في وادي موسى والبتراء تمثل جرس إنذار؛ فمع تراجع الزوار وتوقف الحجوزات، فقدت عشرات المنشآت قدرتها على الاستمرار، ما يعني خسارة مباشرة للعمالة المحلية ومضاعفة الأعباء الاجتماعية. ومع ذلك، فإن الظروف مواتيه، للانعاش التدريجي لثقة الأسواق والسياح، إذا ما رافقته حملة دبلوماسية واقتصادية نشطة تروج الأردن كوجهة آمنة ومستقرة وسط الإقليم. ليس فقط لاستئناف السياحة التقليدية، بل عبر إدماج المجتمعات المحلية في برامج تنمية مستدامة تربط السياحة بالاقتصاد الرقمي، والحرف المحلية بالأسواق العالمية، ما يعزز العدالة المكانية ويحد من البطالة.
لذا، فإن وقف الحرب ليس نهاية مرحلة من الصراع فحسب، بل بداية لاختبار القدرة على تحويل الأزمات إلى فرص، وإنعاش الاقتصاد، والانطلاق من تثبيت الاستقرار إلى توسيع نطاق التنمية، ليبقى فقط من عمل لذلك جزءاً من منظومة إعادة البناء والوجود الإقليمي.
فهل نستطيع تحويل هدنة الإقليم إلى فرصة للنهوض الاقتصادي؟