صراحة نيوز- بقلم: ماجد أبو رمان
صحيح ما عرفتك ولا تعرفت على ملامحك، ويمكن جزء مني ما بده يقر بكل ما يعبر عنه وجهك وجسدك وما تعرضت له أنت والأسرى.
ليست هذه الجملة مجرد بداية رسالة من فدوى البرغوثي إلى زوجها الاسير البطل مروان البرغوثي بل اعتراف إنساني عميق بأن الوجع أكبر من قدرتنا على النظر إليه، وأن بعض الوجوه تُصبح مرايا نخشى أن نرى فيها حقيقتنا.
حين تكتب فدوى بهذه الصدق، لا تكتب له وحده، بل تكتب لكل من أضاع ملامح الفكرة، أو خاف أن يواجه صورة الحقيقة كما هي: عارية، مؤلمة، لكنها أصيلة. إننا لا نهرب من الأسير، بل نهرب من السؤال الذي يطرحه وجوده علينا: ماذا فعلنا نحن بحريتنا؟
ذلك الوجه الذي لم تتعرف إليه تمامًا هو وجه الوطن ذاته، تعب في الملامح، لكنّه لا يزال حيًا في المبدأ. جسد أنهكه القيد، لكنه لم يُسلم روحه. وكل من يجرؤ على النظر إلى هذا الوجه، يدرك أن البطولة ليست في الصراخ، بل في الصمت الذي يحمل المعنى كاملاً دون أن ينكسر.
ذلك الخنزير” بن غفير” الذي وقف أمامه، مستعرضًا قوته، ليس إلا صورة رمزية للطغيان حين يفقد معناه، وللخوف حين يتزيّن بالبطش. لأنّ القوة التي تحتاج إلى استعراض، ليست قوة بل عجز متنكّر. الفأر حين يصرخ في وجه الأسد، لا يفعل ذلك شجاعةً، بل لأنه يعلم أن الأسد مقيّد.
مروان… وإن خذلك الجسد، فالفكرة لم تخذلك. وإن طال الأسر، فإنّ الحرية ليست بابًا يُفتح، بل وعيًا يُستعاد.
إن فدوى التي تنتظرك ليست امرأة على رصيف الزمن، بل رمزٌ لكلّ من آمن أن الحب في جوهره مقاومة، وأن الانتظار فعل صبرٍ يوازي البطولة في الميدان.
ما كتبتْه فدوى، ليس حنينًا، بل احتجاج. احتجاج أن يتحول الإنسان إلى خبر، وأن تتحول البطولة إلى منشور يُقرأ ثم يُنسى. رسالتها ليست عاطفةً فقط، بل تذكيرٌ أن الملامح التي لا نجرؤ على رؤيتها، هي الملامح التي تُعرّينا نحن.
صحيح ما عرفتك… لكنها عرفتك أكثر من نفسها. لأنك في لحظة الصمت الطويل تلك، لست شخصًا، بل فكرة تمشي على قدمين، تختبر الزمن والخذلان، وتصر على أن تظلّ واقفة حتى النهاية.