صراحة نيوز-بقلم الدكتور ليث خريس
في زمنٍ أصبحت فيه التكنولوجيا جزءًا لا يتجزأ من تفاصيل حياتنا اليومية، تحوّل العالم الرقمي من وسيلةٍ للراحة والمعرفة إلى فخٍّ خفيٍّ يُغري العقول، خاصة عقول الجيل الجديد. فبين الألعاب الإلكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي، وتطبيقات البث المباشر، يقضي الشباب ساعاتٍ طويلة أمام الشاشات دون وعيٍ بحجم الخطر الذي يهدد صحتهم النفسية والاجتماعية.
من المتعة إلى الإدمان
بدأ الأمر كمصدرٍ للترفيه، لكنه سرعان ما تطوّر إلى حالةٍ من الإدمان الصامت. لا ضجيج، لا علامات واضحة، فقط عزلة تدريجية وتعلق غير طبيعي بالعالم الافتراضي. تظهر الأعراض في هيئة فقدانٍ للتركيز، اضطرابات في النوم، تراجع في التحصيل الدراسي، ونفور من التواصل الواقعي مع الأسرة والمجتمع.
دراسات حديثة تؤكد أن الطفل أو الشاب الذي يقضي أكثر من 4 إلى 6 ساعات يوميًا أمام الأجهزة الذكية، يصبح عرضة بنسبة 70% للإصابة باضطرابات نفسية مثل القلق، التوتر، والاكتئاب. وهي أرقام تدق ناقوس الخطر في وجه مجتمعٍ يظن أن التكنولوجيا لا تُضر.
آثار اجتماعية تتجاوز الفرد
الإدمان الإلكتروني لا يهدد الفرد فقط، بل يمتد أثره إلى نسيج المجتمع بأكمله. فجيلٌ يعيش في عزلة رقمية يصبح أقل قدرة على بناء العلاقات، وأضعف في مواجهة التحديات الواقعية. الأسرة تفقد دفء الحوار، والمدرسة تواجه صعوبة في جذب الانتباه، بينما تتراجع قيم التواصل الإنساني أمام “الإعجابات” و”المتابعات” الافتراضية.
التكنولوجيا ليست العدو
من المهم أن ندرك أن التكنولوجيا ليست سبب المشكلة، بل طريقة تعاملنا معها. فالأجهزة الذكية أداة قوية للتعلم، والإبداع، والاتصال، إذا أحسنّا استخدامها. غير أن الإفراط فيها يحوّلها من وسيلة تقدم إلى وسيلة تدمير. وهنا تبرز الحاجة إلى ثقافة رقمية واعية تعلّم أبناءنا كيف يوازنوا بين الواقع والافتراض.
الحل يبدأ من البيت والمدرسة
يبدأ العلاج من البيت، عندما يتعامل الأهل بوعيٍ مع أبنائهم، ويحددوا أوقات استخدام الأجهزة، ويشجعوا على الأنشطة الواقعية. كما تلعب المدرسة دورًا أساسيًا في التوعية والتثقيف، من خلال دمج مفاهيم “الاستخدام الآمن للتكنولوجيا” في المناهج الدراسية.
المجتمعات المتقدمة لم تحارب التكنولوجيا، بل علّمت أجيالها كيف يعيشون معها دون أن يفقدوا إنسانيتهم. وهذا ما يجب أن نتعلمه نحن أيضًا، قبل أن يصبح الجيل القادم أسيرًا لعالمٍ افتراضي لا يعرف الرحمة.
نصائح للوقاية من الإدمان الإلكتروني
تحديد وقت يومي محدد لاستخدام الأجهزة الذكية، والالتزام به بصرامة.
إيقاف الأجهزة قبل النوم بساعة على الأقل لتفادي اضطرابات النوم.
تشجيع الأنشطة الواقعية مثل الرياضة، القراءة، والأنشطة الاجتماعية التي تُشبع الجانب النفسي.
توعية الأبناء بالمخاطر من خلال الحوار الهادئ وليس التوبيخ.
القدوة الحسنة من الوالدين في استخدام الهواتف والأجهزة باعتدال.
الاستفادة من التكنولوجيا بإيجابية عبر التطبيقات التعليمية والمحتوى الهادف بدلاً من الترفيه المفرط.
ختامًا
الإدمان الإلكتروني ليس مجرد عادة سيئة، بل تحدٍّ حضاري جديد يحتاج إلى وعيٍ جماعي ومسؤولية مشتركة بين الأسرة والمدرسة والمجتمع.
فالتكنولوجيا ليست قدرًا محتومًا، بل أداةٌ بيد من يُحسن استخدامها.