صراحة نيوز- بقلم / أ.د. بيتي السقرات / الجامعة الأردنية
لم تكن المشاجرة التي شهدها الحرم الجامعي يوم أمس مجرّد حادثة عابرة بين طلبة، بل كانت مرآة صادقة لخللٍ أعمق في منظومة التربية المجتمعية. مشهدٌ صاخبٌ كشف كيف تغيب ثقافة الحوار لتحلّ مكانها ثقافة الانفعال، وكيف يُستبدل العقل بالصوت العالي حين تضيع البوصلة القيمية في البيت والمدرسة والمجتمع.
إن ما حدث لا يبدأ من مقاعد المحاضرات، بل من سنواتٍ سابقة تخلّت فيها بعض البيوت عن دورها التربوي، وغابت فيها المدرسة عن رسالتها التهذيبية. نشأ جيلٌ يرى أن الرجولة تُقاس بالصرخة لا بالحجة، وأن الانتصار في الخصومة أهمّ من كسب احترام الآخرين. تلك أزمة تربيةٍ لا أزمة جامعة، ومسؤولية مجتمعٍ بأكمله لا مؤسسةٍ واحدة.
ورغم ذلك، تبقى الجامعة الأردنية — كأمّ الجامعات ومؤسسة وطنية رائدة — حاضرةً في مشهد الإصلاح لا الغياب. تتابع بصورة دائمة حضور طلبتها وأنشطتهم، وتحرص على دمجهم في المجتمع من خلال البرامج التطوعية والأنشطة اللامنهجية التي تعزّز روح الانتماء والمسؤولية.
كما تعمل الجامعة الأردنية على منح العلم أولًا كأساس، ثم على رفع سويّة الطلبة في اللغات والمهارات الحياتية والمهنية عبر مراكزها المتخصّصة ومساقاتها الريادية. تلك المناهج والبرامج لا تهدف إلى تشكيل أفرادٍ متماثلين، بل إلى إكساب كل طالب الأدوات التي يحتاجها ليُسَوِّق نفسه وظيفيًا بعلمٍ وكفاءة؛ فالتأهيل الأكاديمي المتبوع ببناء المهارات هو الطريق الحقيقي لصناعة جيلٍ قادر على المنافسة وخدمة المجتمع.
الجامعة ليست ميدانًا للعقاب بل بيت إصلاحٍ وتنوير، ومع ذلك فهي لن تتهاون في حماية مؤسستها وسمعتها. من يمسُّ سمعة الجامعة أو يثير الفتن والمشاكل داخل الحرم سيتعرّض لإجراءات تأديبية رادعة وعقوبات صارمة تُطبق وفق اللوائح النظامية، حفاظًا على أمن الحرم ومساحة العلم للجميع.
الجامعة تدرك أن التغيير لا يُفرض بالقوانين وحدها، بل يُبنى بالقدوة والمثال. وما حدث اليوم — رغم أسفه — هو فرصة لمراجعة الذات، وإعادة بناء منظومة القيم على أسسٍ متينة من الاحترام والحوار والوعي.
إن الانتصار الحقيقي لا يُقاس بعدد اللكمات، بل بعدد الإنجازات.ولا يُصنع في ساحة مشاجرة، بل في قاعة بحثٍ أو مشروعٍ يخدم وطنًا.
وجامعتنا الأردنية ستبقى، كما عهدناها، منارةً للعقل، وبيتًا للعلم، ومصدر فخرٍ لكلّ من ينتمي إليها.