الأردن… لماذا ينجح الآخرون ونفشل نحن؟

12 د للقراءة
12 د للقراءة
الأردن… لماذا ينجح الآخرون ونفشل نحن؟

صراحة نيوز-مركز حزب عزم للدراسات الاستراتيجية

الأردن، الدولة التي لا تشبه غيرها، الذي يجمع بين القدرات الهائلة والتحديات العميقة.

فالقوة الهائلة تكمن في الحكمة الملكية، والموقع الجغرافي، والديموغرافيا الشابة، الا انه يعاني من تحديات عميقة، تجمع بين أزمات التعليم والخدمات والاستثمار والسياحة، وهنا يتجلى السؤال الأهم، لماذا ينجح الآخرون ونتأخر نحن؟

التعليم، هو أساس التقدم، وحجر الزاوية لأي نهضة، لكن النظام التعليمي،يعاني من فجوات هيكلية، المناهج غير مرتبطة بسوق العمل، الاستثمار في البحث العلمي محدود، والمهارات الحديثة لا تحظى بالأولوية، ولا تتماشى مع احتياجات سوق العمل الحديث، بينما معدل البطالة بين الخريجين يتجاوز 22٪، واستثمار في البحث العلمي لا يتعدى 0.7٪ من الناتج المحلي، مقارنة بدول أخرى يصل فيها إلى 3٪.

ان ما يجري في قطاع التعليم العالي، يتجاوز حدود البحث العلمي، وفجوات في الخطط الدراسية، والمهارات، ويتحول الى أزمة في البيئة الجامعية ذاتها.فحوادث العنف الجامعي التي تتكرر، ولأسباب مختلفة، ومنها ما يعود الى بعض القيادات الاكاديمية التي ترى بان الامر عادي، حيث ما زال في الذاكرة تصريح أحد رؤساء الجامعات بان مقتل احدى الطالبات في حرم احدى الجامعات بانه امر عادي، مبرراً بان مثل هذه الحوادث تحدث في الجامعات الامريكية، الا ان ما يحدث هناك حالات فردية، بينما ما يحدث في جامعاتنا عملية تتكرر باستمرار، وآخرها المشاهد التي نشرت للمشاجرة الطلابية فيالجامعة الأردنية يوم 16/10/2025. ان ما يحدث من مشاهد متكررة في جامعاتنا لإعمال العنف الطلابي، لم يسبق لها ان حدث في الدول التي كانت تعيش صراعات داخلية، كبعض الدول الافريقية، والتي كانت حرمة الجامعات مصونة لديها. ان تكرار، هذه الاحداث في بعض جامعاتنا، ليست سوى مرآةلانحدار القيم الجامعية وضعف منظومة الانضباط والمسؤولية والقيادات الاكاديمية.

إلى جانب ذلك، تراجع قيم النزاهة الاكاديمية، والاستلال العلمي، الذي يمارسه بعض الأكاديميين، وصل بعضهم الى مراتب قيادية متقدمة، أدى الى تراجع ترتيب الجامعات الأردنية في التصنيفات العالمية، وتراجع ملحوظ في نوعيةالتعليم، وكفاءة الخريجين في بعض التخصصات.

ويُضاف إلى ذلك ضعف بعض القيادات الأكاديمية التي لم تُواكب التحولالرقمي ولم تُبدِ كفاءة في الإدارة الجامعية الحديثة، وغير قادرة على اتخاذ القرار، وتقضي وقتها باستخدام أسلوب الإدارة بالتسكين، وترحيل الازمات.

ويبقى السؤال المؤلم، من يقود الجامعات اليوم؟

فمن الواضح من التصريحات الرسمية، أن القرار الأكاديمي في كثير منالأحيان يُصنع خارج أسوار الجامعة، لا داخلها، مما يُفقد مؤسسات التعليماستقلاليتها وقدرتها على الإصلاح الذاتي.

وهنا يبرز السؤال، الى اين ذاهبون في مؤسساتنا الاكاديمية؟

ان كل ما يجري في قطاع التعليم، يظهر للمواطنين وكأن التعليم، ليس أولوية لدى الحكومة، وبحاجة الى وقفة حقيقة. لقد حان الوقت ان يعي الجميع، ان الاستمرار في عدم الربط بين التعليم والاقتصاد يولّد طاقات ضائعة، وانسداد في الأفق، مما يفع الشباب للبحث عن نافذة امل خارج حدود الوطن، للبحث عن فرص حقيقية، بينما دول في المنطقة وخارجها تستثمر في الإنسان كأصل استراتيجي، وفي مهارات المستقبل والابتكار الرقمي، ونحن ما زلنا نتحدث عن خطط، ان نفذت، قد تكون شكلية، مما يضيع طاقات الشباب بين العنف الجامعي، والبطالة، والاغتراب الفكري.

لكن ما يزيد خطورة المشهد هو التصريحات الرسمية، المتضاربة، فتارة القادم أجمل، وتارة عن حجم الاستثمارات والمشاريع الكبرى، ومشاريع الاستكشافات النفطية والغازية، وفرص التعدين في اليورانيوم والنحاس والذهب، ومليون فرصة عمل، الا ان بعضها ولعد المصداقية جاء ليصب الزيت على نارالإحباط. ان اخر التصريحات، التي خرج بها رئيس هيئة الخدمة المدنية ليقولإن الأردني الذي يُولد اليوم سيحتاج إلى 73 عامًا لكي يحصل على وظيفة، فإنهذه العبارة لا تُعتبر مجرد توصيفٍ لواقعٍ صعب، بل رسالة إحباط عميقة لجيلٍكامل.

مثل هذا التصريح، في بلدٍ يعاني أصلًا من بطالة هي الأعلى في تاريخهالحديث، يُعمّق فجوة الثقة بين المواطن والدولة، ويُشعر الشباب بأن المستقبلمغلق الأبواب قبل أن يبدأ.

اليوم، من الواضح باننا نعيش مشكلة وعي وأدراك وإدارة، قبل أن تكون أزمةفي الأرقام.

اما قطاع الخدمات يعاني من ضعف واضح في الكفاءة والتوزيع الجغرافي. المدن الكبرى تشهد تحسناً نسبياً، بينما الريف والمناطق النائية تتخلف، مما يظهر فجوات واضحة في الأداء، ويزيد من شعور المواطنين بالإهمال، مع ان الشعار المرفوع، بان الخدمات يجب أن تكون حقاً للجميع، لا امتيازاً للبعض.مؤشرات البنك الدولي تظهر أن تصنيف الأردن في جودة الخدمات العامة ضمن أقل من المتوسط مقارنة بدول الجوار.

الأردن، الذي يمتلك موقعاً استراتيجياً، يقع على مفترق طرق التجارة والطاقة،وقوى عاملة متعلمة نسبيًا، وبيئة سياسية مستقرة، لكنه لا يستطيع استثمارهذه المزايا بشكل كامل.

المشاريع الاقتصادية الكبرى غالباً ما تتعثر، والاستثمار المحلي والأجنبي لايصل إلى الطموحات، بسبب البيروقراطية المعقدة، وضعف القوانين الترويجية،وارتفاع الضرائب على بعض القطاعات.

في المقابل، تمكنت دول في المنطقة من تحويل تحديات مماثلة إلى فرص عبرتسهيل الاستثمار وتقديم الحوافز وتطوير البنية التحتية.

أما قطاع السياحة والاستثمار فيه، فالأردن يمتلك مقومات فريدة من البحرالأحمر إلى البتراء ووادي رم، ومقومات للسياحة الدينية الفريدة من نوعها في العالم، لكنه يفشل في استقطاب الاستثمارات لتعزيز البنية التحتية لهذا القطاع الحيوي، والذي لم يرتقي بها للعالمية، بسبب ضعف التخطيط الاستراتيجي الشمولي، وغياب الرؤية التكاملية، مما أضاع فرص اقتصاديةهائلة مقارنة بالإمكانات. حيث انه في 2024، استقبل الأردن حوالي 3 ملايين سائح دولي، مقارنة ببعض الدول التي استقبلت أكثر من 15 مليون. وهنا تكمن المشكلة.

في ظل كل ما تقدم، ا تبرز رؤية حزب عزم، كأحد المشاريع السياسية التيتسعى للخروج من هذا المأزق الوطني.

فالحزب يدعو إلى إصلاحٍ شاملٍ يبدأ من التعليم، بربط الجامعات بسوق العملوتحويلها إلى منصات ابتكار لا إلى قاعات تلقين فعلاً لا قولاً.

كما يدعو إلى إعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة من خلال تمكين الشباب فيمواقع القرار، وإصلاح الإدارة العامة على أسس الجدارة والكفاءة، وإعادةتعريف مفهوم الخدمة العامة باعتبارها حقاً للمواطن لا منّة عليه.

ان غياب الثقة بالمؤسسات، وضعف في دعم الحراك الحزبي، وانعدام المشاركة الفاعلة في صنع القرار يجعل المواطن أحياناً يشاهد المشهد من الخارج. هذه اللامبالاة الوطنية لها نتائج مباشرة، مثل بطء الإصلاح، وضعف الضغطالحزبي على الحكومة، واستمرار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بلا حلول جذرية.

الشباب يشكلون أكثر من 60٪ من سكان الأردن تحت سن 30، لكن البطالة والفرص المحدودة تجعل هذه القوة البشرية طاقة ضائعة. إذا تم توجيهها بالمهارات الصحيحة والتعليم الجيد، يمكن أن تصبح محركاً حقيقياً للاقتصاد والابتكار.

ويضع الحزب ضمن أولوياته إعادة تشكيل الطبقة الوسطى (صمام الأمان للاستقرار المجتمعي)، وتفعيل الاقتصاد الإنتاجي، وتعزيز استقلالية الجامعاتوالنقابات باعتبارها ركائز المجتمع المدني والديمقراطية الحقيقية.

فالأردن، هو قلب الشرق الأوسط، ويقع على مفترق طرق التجارة والطاقة والسياسة. هذا الموقع يتيح له قوة نفوذ استراتيجية، لكنه يجعله أيضاً هدفاً للضغوط والمخططات الإقليمية والدولية. الاستفادة الحقيقية من هذا الموقع تتطلب حكمة سياسية، وهي متوفرة لدى القيادة الهاشمية، ومرونة اقتصادية، واستثماراً حقيقياً في البنية التحتية والخدمات، وهي التي تعاني من ضعف وبيروقراطية في الادارة.

ان حزب عزم يؤمن بان، الملك يمثل ضمانة الاستقرار الوطني وقدرة الأردن على الصمود أمام الأزمات الداخلية والخارجية، سواء كانت سياسية، اقتصادية أو أمنية. لكن الصمود الحقيقي لا يأتي بالقوة وحدها، بل بالاستثمار في التعليم، والخدمات، والاقتصاد، والسياحة. هذه القوة الداخلية هي التي تجعل الدولة قادرة على مواجهة الضغوط من منطلق قوة داخلية وليس مجرد التكيف مع الأحداث.

ان حزب عزم يؤمن بان قوة الملك تحتاج إلى مؤسسات كفؤة وقادرة على التنفيذ الفعلي للخطط لتحقيق النتائج. ان مثل هذا الامر يتطلب قيادات تتميز بالكفاءة والخبرة، بعيداً عن الروتين والمحسوبية، هو شرط أساسي لتحويل الإمكانيات إلى إنجازات ملموسة.

لكن، لكي يتحول الأردن من دولة معاناة، إلى نموذج يُحتذى به، فان حزب عزم يقدم رؤيته القائمة على التركيز على ثلاث محاور رئيسية، الإنسان، الاقتصاد،والمؤسسات.

الاستثمار في الإنسان لا يمكن ان يكون الا عن طريق الاستثمار الجاد في التعليم النوعي، وربط المناهج بسوق العمل واحتياجات الاقتصاد الرقمي، مع التركيز على تطوير مهارات الابتكار والبحث العلمي، الامر الذي سيجعل من الشباب قوة فاعلة قادرة على قيادة المشاريع الكبرى.

في مجال تقوية الاقتصاد والاستثمار، فيتم عن طريق تبسيط الإجراءات أمام المستثمرين، وتقديم حوافز حقيقية للاستثمار المحلي والأجنبي، وتنمية قطاعات استراتيجية مثل الطاقة والسياحة والتكنولوجيا، ستخلق اقتصاداً مرناً وقادراً على المنافسة الإقليمية.

ام فيما يخص المؤسسات والحوكمة الرشيدة، يجب التركيز على بناء مؤسسات كفؤة، شفافة، ومرنة، قادرة على تنفيذ الخطط بسرعة وكفاءة، مع التركيز على مكافحة الروتين والمحسوبية، سيجعل الدولة قادرة على تحويل السياسات إلى نتائج ملموسة.

ان كافة الإجراءات المشار اليها، ستعزز الوعي الوطني والمشاركة الشعبية في الحياة السياسية والاجتماعية سيقوي الصمود الداخلي، ويجعل الأردن مثالاً للاستقرار والتنمية والابتكار في المنطقة.

ان حزب عزم يرى، بان الأردن، يمتلك كل مقومات النجاح، شعب شاب، موقع استراتيجي، ملك حكيم، وإرث مؤسساتي يمكن البناء عليه. لكن استمرار فجوات التعليم، والخدمات، والاستثمار، والسياحة، مع اللامبالاة الشعبية، يجعل النجاح بعيداً إذا لم يحدث تحرك شامل وجريء.

نجاح الأردن يكمن في تحويل الإمكانيات إلى واقع ملموس، تعليم حديث، خدمات متكاملة، استثمار فعال، سياحة مزدهرة، وحياة سياسية واجتماعية تشرك المواطن في صنع القرار.

الأردن يمكنه أن يكون نموذجاً للاستقرار والازدهار، كما فعلت دول في ظروف مشابهة، إذا وضع الإنسان، المواطن، والتعليم، والاقتصاد في قلب أولوياته.

عندها فقط، يمكن أن نتوقف عن السؤال، لماذا ينجح الآخرون ونحن نفشل؟

ويصبح السؤال الجديد: كيف نصنع النجاح بأنفسنا، ونكون النموذج الذييُحتذى به في المنطقة؟

Share This Article