حين يتحدث الملك، تصمت الضوضاء

4 د للقراءة
4 د للقراءة
حين يتحدث الملك، تصمت الضوضاء

صراحة نيوز-م مدحت الخطيب

عندما يكون الكلام ملكيًّا، يصبح الصمتُ واجبًا، والإصغاء فريضة على الجهال قبل العقلاء
في مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع قناة “بي بي سي”، لم يكن يتحدث بصفته ملك الأردن فحسب، بل بصفته صوت العقل العربي وسط فوضى الضجيج الإقليمي، وممثل الاتزان حين تتشابك المصالح وتختلط الأصوات…

كان الملك واضحًا كعادته، ثابت النبرة، متزن الموقف، يتحدث بلغة الملوك لا بلغة المزايدات، وتسجيل المواقف،
فحين سُئل عن حركة “حماس”، لم يُجرّ الحديث إلى مستنقع الشعارات، ولم ينزلق إلى الخطابات الجاهزة ، ولم يقدّم مواقف انفعالية، بل أجاب بذكاء السياسي الخبير وأتمنى أن نسير جميعاً كتابا ومثقفين وسياسيين على هذا النهج الملكي :

قال وبكل ذكاء ووضوح “لم أتعامل معهم ولا أعرفهم عن قرب، ولكن الذين يتعاملون معهم عن قرب مصر وقطر يقولون إنهم سيلتزمون ببنود الاتفاق ويشعرون بتفائل كبير حيال ذلك”

بهذه الجملة القصيرة، وضع جلالته الأمور في نصابها. لا انحياز أعمى ، ولا إنكار لدور الآخرين، بل توصيف دقيق للعلاقة والواقع، وتأكيد أن الأردن لا يتعامل بالعاطفة، بل بلغة الدولة ومصالحها وواجبها القومي والإنساني. وبعيداً عن الانجراف نحو الخلافات عبر الشاشات..

أما حين وصل الحديث عن رئيس الوزراء الإسرائيلي، فقد بدا الملك أكثر صراحة من أي وقت مضى… وكرر ما قاله الملك الحسين عليه رحمة الله عندما سئل عن ((النت ياهو))
قالها بوضوح لا يحتمل التأويل:

“هو رجل مراوغ هو و جماعته ويقصد اليمين المتطرف ولا أثق بكل ما يقول، وأقول ذلك من تجربتي لما يزيد عن عشرين عاماً ، فهو لا يبحث عن السلام، ولا عن الاستقرار في المنطقة، ولا أثق بكلامه أبدا…”

نعم واقولها بصدق وبصورة أكتمل مشهدها في زمن يُحاول فيه كثيرون الالتفاف حول الحقيقة، اختار الملك أن يضع النقاط على الحروف، وأن يقول ما يهمس به الجميع، ولكن بصوت من يملك الشرعية والتاريخ والموقف…
كلمة “مراوغ” لم تكن توصيفًا دبلوماسيًا، بل إدانة سياسية أخلاقية لزعيم يمارس الخداع باسم السلام المزعوم ..
وكلمة “لا أثق بكلامه” كانت بمثابة إعلان واضح أن الأردن، رغم كل الضغوط، لن ينخدع ولن يساوم على أمنه ولا على حق الشعب الفلسطيني في إقامة الدولة الفلسطينية..

في كل حرف قاله الملك، كان ثمة رسالة مزدوجة:
رسالة للعالم بأن الأردن ما زال حجر الزاوية في استقرار المنطقة، وصوت الحكمة في زمن الغليان،
ورسالة للداخل الأردني والعربي بأن القيادة لا تتلون، ولا تساوم، ولا تتحدث إلا بلغة الحق والكرامة والسيادة ودعم الأشقاء في فلسطين ..

هذا الحضور الملكي المتكرر أمام عدسات الإعلام العالمي لم يكن مجرد مقابلة، بل درس في السياسة الهادئة والموقف الأردني الصلب،
هي درس في كيف يمكن لملك أن يقول الكثير بالقليل، وأن يُعبّر عن أمةٍ بكلمة واحدة، وأن يُلخّص الواقع في جملة لا تحتاج إلى ترجمان :

“لا أثق بكلامه”

هي ليست فقط جملة عن نتنياهو، بل تشخيص دقيق لزمن المراوغين، ولمن ظنوا أن الحق العربي يمكن أن يُبتلع بالصمت ولغة الرصاص والعنف..
نعم حديث الملك، كعادته، أعاد التوازن إلى الطاولة، وأعاد الكرامة إلى اللغة، وأعاد الأردن إلى موقعه الطبيعي: البوصلة، لا التابع…

لقد قدّم جلالته، في دقائق معدودة، ما عجزت عنه خطابات طويلة:
أن تكون صريحًا دون أن تكون صداميًا، وأن تكون واقعيًا دون أن تتنازل عن المبدأ.
فالملك لم يتحدث بلغة الخوف ولا بلغة المزايدة، بل بلغة المسؤول الذي يعرف أن الحقيقة يجب أن تُقال، مهما كانت قاسية.

إنها لغة الملوك حين يتحدثون أمام العالم، لغة تستند إلى التاريخ والشرعية والكرامة.
ولذلك، حين يتحدث الملك عبدالله، تصمت الضوضاء، لأن كلمته لا تأتي من فراغ، بل من عمق الموقف الأردني الثابت منذ عقود:
أن الأردن كان وسيبقى صوت الحق، ومدرسة الاتزان، ودرع الكرامة العربية في زمن المراوغة.والمدافع الشرس وعن فلسطين كل فلسطين

Medhat_505@yahoo.com
المهندس مدحت الخطيب
#مقالي ليوم الأحد في الدستور

Share This Article