صراحة نيوز-بقلم ماجد أبو رمان
يبدو أن بوصلتنا الوطنية تُصاب أحيانًا بدوارٍ في الاتجاه، حتى يأتي من يظنّ أن طريق معالجة البطالة يمرّ من بوابة الهجرة لا من بوابة التنمية.
وزير الداخلية، المكلّف أساسًا بحماية الجبهة الداخلية وضبط أمنها واستقرارها، قرّر أن يحمل ملف العمالة الماهرة إلى مؤتمر فيينا للهجرة، داعيًا دول أوروبا لفتح قنوات “هجرة قانونية” للشباب الأردني، وكأنّ رسالته تقول: خذوا أبناءنا… فلم نعد نملك لهم مكانًا هنا.
يا معالي الوزير، مؤتمر فيينا ليس منصة لتصدير الأمل، بل ساحة لمعالجة أزمات اللجوء والهجرة غير الشرعية، فكيف تحوّل منبر معالجة الهجرة إلى منبر لترويجها؟
وكيف يُعقل أن يُوجّه من يتولى وزارة الداخلية – التي عنوانها الوطن من الداخل – خطابًا يدعو فيه إلى الخروج من الوطن؟!
من المؤسف أن نسمع مثل هذا التصريح في وقتٍ تئنّ فيه البلاد تحت وطأة البطالة وتراجع فرص العمل، وفي وقتٍ يحتاج فيه الشباب إلى مشروعات وطنية حقيقية لا إلى تذاكر سفر إلى المجهول.
لو كان الوزير وزيرَ عملٍ أو استثمارٍ، لقلنا ربما أخطأ التقدير، أما أن يأتي التصريح من وزير الداخلية، فذلك زلّة سياسية لا تُغتفر، ورسالة سلبية للشباب مفادها: “لا تنتظروا شيئًا منّا، الحل في الرحيل”.
أين وزير العمل من هذا الطرح؟ وأين وزير الاستثمار الذي يُفترض أن يجذب الفرص لا أن يُصدّر الكفاءات؟
هل أصبح الحل الحكومي الرسمي لتفاقم البطالة هو تشجيع الشباب على الهجرة بدل تحفيز الاقتصاد الوطني؟
ألم يكن الأولى بوزير الداخلية أن يتحدث عن سياسات استقرار وبيئة آمنة للاستثمار، بدل أن يفتح الأبواب للتفريغ البشري؟
إنّ ما قاله الوزير لا يمكن اعتباره “فلتة لسان”، بل يعكس فكرًا حكوميًا عاجزًا يرى في الشباب عبئًا لا فرصة، ويرى في الهجرة مخرجًا لا حلاً.
هو الفكر ذاته الذي جعلنا نسمع اليوم أن من يُولد في الأردن قد ينتظر ثلاثة وسبعين عامًا ليحصل على وظيفة حكومية، في مشهدٍ عبثي يختزل العجز الإداري والجمود المؤسسي.
كرمٌ في التصريحات، وشُحّ في الأفكار.
فليت معالي الوزير يعلم أن الشباب الأردني لا يريد أن يهاجر، بل يريد أن يعيش في وطنٍ يمنحه فرصة، لا تصريحًا يدفعه نحو المطار.
نعم، الوطن لا يُباع بتذكرة، ولا يُقاس الولاء بعدد المغادرين.
وإن كانت الحكومة ترى في تصدير الأمل حلاً، فلتكن شجاعة بما يكفي لتقول: لقد فشلنا في صناعة المستقبل هنا، فابحثوا عنه هناك.
أما نحن، فنقولها بوضوح:
الأوطان لا تُبنى بالرحيل، بل بالبقاء، ولا تُدار بعقلية التخلّص من المشكلة، بل بعزيمة من يصنع الحل