صراحة نيوز – بقلم: المحامي حسام العجوري
في دولة الدستور وسيادة القانون ، يثير تصريح الوزير الأسبق محمد المومني ، الذي قال فيه إن “الحكومة لا تفكر في إصدار عفو عام” ، جدلًا واسعًا حول حدود الصلاحيات بين السلطات ، ويكشف عن تغوّل واضح للسلطة التنفيذية على اختصاصات مجلس الأمة ، بل ويتجاهل كذلك الإرادة الملكية السامية التي تشكل أساس القرار الوطني في مثل هذه الملفات الحساسة .
إن قانون العفو العام ليس شأنًا حكوميًا بحتًا ، بل هو قانون تشريعي يصدر بإرادة مجلس الأمة – النواب والأعيان – ويكتمل سريانه فقط بعد الموافقة الملكية السامية ، باعتبار أن جلالة الملك هو رأس السلطات وراعي الدستور . وبالتالي ، فإن إعلان الحكومة أو أحد وزرائها رفض فكرة العفو العام يتجاوز صلاحياتها الدستورية ، ويُعد مساسًا بمبدأ الفصل بين السلطات الذي يُعتبر حجر الأساس في النظام السياسي الأردني .
لقد وقع (106) نائبًا على مذكرة تطالب بإصدار قانون عفو عام ، وهي خطوة تعبّر عن إرادة شعبية واسعة وعن رغبة صادقة في فتح صفحة جديدة بين الدولة والمواطنين، وتخفيف الأعباء عن الأسر التي أنهكتها الظروف الاقتصادية والاجتماعية . ومع ذلك ، لم نشهد أي استجابة حقيقية من الحكومة لهذه المذكرة ، وكأنها لا تعبّر عن سلطة دستورية منتخبة تمثل صوت الشعب .
العفو العام في جوهره ليس منّة من أحد ، بل هو قرار سيادي متكامل الأركان ، يجتمع فيه الرأي النيابي والتشريع الدستوري والإرادة الملكية الحكيمة التي طالما جسّدت روح التسامح والإنصاف ، فكم من مرة وجّه جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين الحكومات للنظر في مثل هذه المبادرات الإنسانية التي تعزز اللحمة الوطنية وتعيد الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة .
إن تصريح المومني ، في هذا السياق ، يُعتبر تعديًا خطيرًا على اختصاص مجلس الأمة وإغفالًا غير مبرر لدور الإرادة الملكية في التشريع ، وهو ما يستوجب وقفة دستورية حازمة تذكّر الجميع بأن التشريع حق أصيل للبرلمان ، وأن القرار النهائي في مثل هذه القوانين يصدر دائمًا بإرادة ملكية سامية تُجسّد سيادة القانون وعدالة الدولة .

