القاضي والأديب ماجد ذيب غنما “صاحب الصولجانين”

4 د للقراءة
4 د للقراءة
القاضي والأديب ماجد ذيب غنما "صاحب الصولجانين"

صراحة نيوز- بقلم / د. محمود عبابنة

قبل أيام رحل عن عالمنا القاضي والأديب الكبير “ماجد ذيب غنما”، الذي انتقل إلى أمجاده السماوية راضياً مرضيا عما قدمه من إبداع في حقلي الأدب والقانون، فقد اصطبغ أدبه وأحكامه القضائية بلون موسوعي فريد حيث انعكست ثقافته الواسعة وملكته اللغوية في الأدب على صياغة قرارته القانونية وأخذت طابع المقطوعة الأدبية وتميزت بالعدالة والرصانة والاتقان.

عرفت الأديب “ماجد غنما” في عام 1983، عندما قدمني إليه الصديق “محمد المشايخ” سكرتير رباطة الكتّاب الأردنيين آنذاك كوني كنت أعمل في وزارة العدل، وكان هو قاضياً متقدماً في السلك القضائي، ومنذ ذلك الحين توطدت علاقتنا، وأعطيته قصصي القصيرة التي قرأها، وشجعني على الاستمرار بكتابتها ونصحني بعدد من الكتب، وزرته في بيته المتواضع في إسكان القضاة في منطقة طبربور، وقدمني إلى الأديب الكبير المرحوم عيسى الناعوري، وكنا نلتقي بالرابطة بناءً على اتفاق وتنسيق مسبق ونسير إلى مكتب الناشر والكاتب المرحوم “علي حسين خلف” في منطقة اللوبيدة.

استقت شخصية القاضي والأديب مشاربها من نبعين صافيين: الأول يتعلق بإعداده القانوني الذي تشكلت بدايته في درة الجامعات بذلك الزمن، ففي جامعة دمشق تلقى تعليمه على أيدي جهابذة القانون في ذلك الزمن، كـ “فايز الخوري”، و “مصطفى الزرقاء واضع القانون المدني الأردني”، و”رزق الله الأنطاكي”، و”سامي الميداني” وغيرهم.

أما نبعه الثاني فهو عمله في السلك القضائي الأردني بالإضافة إلى عمله السابق في المحاماة ورئاسة بلدية الحصن، حيث خدم “ماجد غنما” في مختلف درجات المحاكم ابتداءً من محكمة الصلح إلى البداية إلى الاستئناف ثم ختم خدمته في محكمة التمييز والعدل العليا، وعمل مفتشاً ونائباً عاماً، وما زلنا نستذكر برقيته لأحد الحكام الإداريين في زمن الأحكام العرفية ((أفرجوا فوراً عن الموقوف.. لأن توقيفه لا ينسجم مع الحقوق الأساسية في الدستور المتعلق بحق الحرية والتنقل)) .

عرف عن أبي عبدالله شخصيته الهادئة الرصينة والتي كانت تخفي وراءها شكيمة قوية عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان، لم يسجل عليه مهادنة أو مجاملة لمسؤول أو متنفذ فقد اعتكف في منزله المتواضع إلى جانب شريكة عمره أم عبدالله لمطالعة قضاياه وكتابة قراراته المتميزة، غارفا المعرفة والثقافة من أمهات الكتب، مداوما على توجيه أبنائه وبناته نحو حب العلم ومثالية التصرف والسلوك، فكانوا كما شاء وتمنى، وانجب مع شريكة العمر من الأطباء المهرة والمحامين والمهندسين والصيادلة ما يتوج نجاحه المتميز وإنجازه المشهود في هذه الحياة.

فقيدنا وفقيد الأردن ينتمي إلى جيل البناة الأوائل لدولة القانون والمؤسسات، حيث لم يكتف “ماجد غنما” برسم خطوط شخصية وملامح هويته كأديب وشاعر تشرب حبه للأدب وسماعه للقصائد منذ نعومة أظفاره في ديوان أبيه وجده في الحصن، هذا الديوان الذي زاره الرحالة ” بيرك هارت” الذي نزل ضيفا على جده القاضي العشائري في منطقة بني عبيد بمحافظة أربد.

لن أسهب في ألوان أدبه ومجموعاته القصصية القصيرة الهادفة، فقد فعل المعلقون المبدعون حين تعرضوا لهذا الجانب من علو كعب الأديب والكاتب وإبداعه، الذي امتاز به بشكل خاص في أدب الرحلات والتوثيق، وظهر ذلك جلياً في مؤلفه “يوميات أندلسية”،و”كنت في مراكش” و” أحاديث قريتي “، و”ما تترك الأيام “، وفي مؤلفه الأخير ” لمحة من الذكريات سيرة ذاتية”، الذي تضمن حديثه عن حلمه بعالم عربي متقدم ومستقل ولم يغفل عن تدوين يوميات زياراته الرسمية والخاصة لأهم العواصم العالمية ومتاحفها وجامعاتها كما فعل في زيارته لقصر الحمراء في الأندلس وحسرته على ضياعه.

وفي التكريم الذي اقامته رابطة الكتاب قبل عدة سنوات لأديبنا وقاضينا الراحل تحدث العديد من محبيه وتناولوا جوانب مختلفة من حياته وأدبه وسيرته العطرة واتفق الحاضرون على إطلاق لقب ” صاحب الصولجانين” عليه، فقد أبدع في الأدب كما أبدع بحسه المتوارث العادل في القضاء والقانون.. رحمة الله عليك أيها القاضي العادل والأديب المبدع “ماجد غنما” أيها الرمز الإنساني الكبير، وان رحلت فأثرك باق في نفوس كل الطيبين من رجال القانون والأدب ومريديك ومحبيك وكل من أحتكم أمامك أو قرأ لك.

Share This Article