هل انشغلت الدبلوماسية الأردنية عن دعم قضايا الداخل خلال السنوات الثلاث الأخيرة؟

3 د للقراءة
3 د للقراءة
هل انشغلت الدبلوماسية الأردنية عن دعم قضايا الداخل خلال السنوات الثلاث الأخيرة؟

صراحة نيوز- كتب أ.د. محمد الفرجات

لطالما شكّلت الدبلوماسية الأردنية أحد أهم عناصر القوة الناعمة للدولة، وأداة فاعلة في حماية مصالحها الوطنية، وإدامة حضورها على الخارطة الإقليمية والدولية رغم محدودية الإمكانيات. وخلال السنوات الثلاث الأخيرة، برز هذا الدور بشكل مكثّف في ظل تصاعد التوترات في الإقليم، واندلاع حرب غزة، وتزايد التهديدات للأمن الإقليمي، ما دفع جلالة الملك عبدالله الثاني إلى تحركات متواصلة لحماية المدنيين، ووقف العدوان، والدفاع عن القدس والمقدسات، والحؤول دون تهجير الفلسطينيين إلى الأردن. لقد كانت تلك الدبلوماسية صوت الضمير الإنساني، وحائط الصد السياسي عن فلسطين والمنطقة.

غير أن انشغال الأردن الكبير بالملفات الإقليمية يجعلنا نتساءل عن تبعات غياب الجهد الدبلوماسي الخارجي الموجه لدعم القضايا التنموية والاقتصادية في الداخل.

فالأردن اليوم يواجه أعباءً مركّبة؛ مديونية مرتفعة، ضغوطًا مالية، تحديات في سوق العمل، تراجعًا في الخدمات العامة، وشحًا مائيًا متفاقمًا. وهذه ليست نتيجة سياسات داخلية، بل حصيلة تراكمية لعقود من تحمّل الأردن مسؤوليات إنسانية وإقليمية بالنيابة عن العالم.

فمنذ نحو عقدين استقبل الأردن موجات متتالية من اللجوء من دول الجوار، حتى أصبح من أكثر دول العالم استقبالًا للاجئين قياسًا بعدد السكان، ما ترتب عليه أعباء مالية وكلف جارية إضافية وضغوط على البنية التحتية والمياه والتعليم والصحة وفرص العمل.

ومن هنا، فإن الدبلوماسية الأردنية اليوم مطالبة بإعادة التوازن بين الموقف السياسي والبعد التنموي الاقتصادي. فكما نجحت في كسب احترام العالم لمواقفها الأخلاقية الثابتة، يمكنها أن تنجح أيضًا في تحويل هذا الاحترام إلى دعم اقتصادي مستدام. ويبرز هنا الدور الحيوي المطلوب للدبلوماسية الخارجية في إطفاء جزء من المديونية عبر التفاوض مع الدول الصديقة والدائنة، ومبادلة جزء آخر منها بمشاريع خضراء ومناخية تُنفّذ على الأراضي الأردنية لصالح تلك الدول، بما يخدم مصالح الطرفين.

فالأردن دولة تأثرت بشدة بالتغير المناخي وليست سببًا فيه، وهو ما يمنحه الحق الأخلاقي والسياسي في أن يكون طرفًا مستفيدًا من آليات التعويض المناخي، والتمويل الأخضر، والصفقات التنموية العادلة.

إن العالم يدرك أن الأردن تحمّل ما لم تتحمله دول أكبر منه حجمًا واقتصادًا، دفاعًا عن الاستقرار الإقليمي، وعن القيم الإنسانية، وعن أمن أوروبا والمنطقة. لذلك فإن من حقه اليوم أن يحظى بمكانة استثنائية في المبادرات الدولية الخاصة بالمناخ والتنمية، وأن تكون الدبلوماسية الأردنية رأس الحربة في إعادة تعريف الأردن أمام العالم: دولة معتدلة، مستقرّة، ذات كفاءة بشرية عالية، لكنها تحتاج إلى إنصاف اقتصادي وتمويلي يمكّنها من الاستمرار في أداء أدوارها الإقليمية.

ولعلّ التحدي القادم يكمن في بناء دبلوماسية اقتصادية–مناخية موازية للدبلوماسية السياسية، تتوجه إلى المؤسسات المالية الدولية وصناديق التنمية والمناخ، وتعمل على استقطاب التمويل الميسر والمنح، وتشجيع الاستثمار الأخضر، وجذب مشاريع الطاقة المتجددة وإدارة المياه والنقل المستدام. فبهذا فقط يمكن تحويل الضغوط إلى فرص، والموقع الجيوسياسي إلى مكسب تنموي.

إن المطلوب ليس تخفيف الحضور الأردني في القضايا الإقليمية، بل توسيع معادلة العمل الدبلوماسي ليشمل دعم الداخل، وتحقيق العدالة المالية والمناخية للأردن، بما يضمن استدامة دوره الإقليمي وقوته الداخلية معًا. فالدبلوماسية القادرة على المساهمة بإيقاف حرب يمكنها أيضًا أن تبني اقتصادًا متعافيًا ومستقبلًا أخضرًا للأجيال القادمة.

Share This Article