حكومات تائهة

2 د للقراءة
2 د للقراءة
حكومات تائهة

صراحة نيوز- بقلم ماجد ابورمان

قبل أعوام، صدر كتاب اسمه الدولة التائهة. اختلف الناس على مؤلفه، لكنهم اليوم متفقون أنه كان نبوءة لا كتابًا. قرأته مرارًا، وها أنا أراه يتحقق حرفًا بحرف، في وطنٍ تاهت بوصلته وضاعت ملامحه بين فائدةٍ ومخالفةٍ وضريبة.

تحولت الدولة إلى مكتب تحصيل كبير: حكومةُ بنوكٍ تُرهق المواطن بفوائدها، وحكومةُ مخالفاتٍ وضرائب تسلبه رزقه وصبره. شبابٌ بلا وظائف، عائلاتٌ تحت الفقر، وانحدارٌ أخلاقيّ يُدار بالصمت.

اقتصادٌ منهار، مديونيةٌ تتكاثر كالدَّين في رقاب الأجيال، ومجلس نوابٍ يُشرّع للجباية لا للعدالة. أحزابٌ بلا فكرٍ ولا مشروع، ومجلس أعيانٍ يخشى تغيّب اسمه عن التشكيل أكثر مما يخشى حساب الله. وزراءُ تصريحاتٍ ومؤتمراتٍ، أبطالُ الميكروفونات، ومهندسو الفشل بعد التقاعد.

قرى منسية، بوادي مهملة، ومخيمات تنتظر الدولة كما ينتظر الغريقُ مركب النجاة. هويتنا صارت باهتة، والانتماء تقلّص إلى عشيرةٍ أو منطقة. الولاء أصبح للّقمة، لا للوطن، والكرت الأقوى صار بديلاً عن الكفاءة.

القطاع الصحي يحتضر، التعليم ينهار، والجامعات ساحاتُ قتالٍ بين هوياتٍ فرعية. الدولة غابت وبقيت المؤسسات تعمل كالساعة… لكن بلا عقارب تدل على الاتجاه.

وحتى الإعلام لم يسلم من التيه؛ تحوّل إلى استعراضٍ رقمي، ومواقع صارت أبواقًا لمجموعةٍ من المنشدين، فرسان التنظير، الذين يبيعون الوهم ببلاغةٍ مصطنعة، ويُسكتون الوجع بالمديح الرخيص.

لسنا بحاجة إلى إصلاحٍ جديد، بل إلى تعريفٍ جديد للدولة: من نخدم؟ ولمن ننتمي؟ لأن الأوطان لا تضيع حين تفقر، بل حين تفقد الحكومات ضميرها، والمواطن إيمانه بأن غده يستحق الصبر.

Share This Article