صراحة نيوز-بقلم ماجد ابورمان
قالها سلامة حماد ذات يوم، بنبرة لا تحتمل الزخرفة:
“وزير الداخلية ليس وزيراً للفنون الجميلة.”
جملة تُختصر فيها فلسفة الدولة حين تكون الدولة هيبةً لا معرضاً، وقراراً لا مجاملة، وعدلاً لا شعارات.
سلامة حماد لم يكن سياسياً يغازل الجمهور، بل كان يرى أن الدولة لا تُدار بالابتسامات، وأن الأمن لا يُحفظ بالأغاني الوطنية ولا بالهتافات الموسمية.
كان يرى في الوزارة سوراً لا منصة، وفي القانون سيفاً لا ديكوراً.
وفي زمنٍ صار فيه كثير من المسؤولين يتعاملون مع مناصبهم كأنها خشبة مسرح، وقف هو وحيداً كجدارٍ من الصخر، يقول: “هنا تقف الفوضى.”
سلامة حماد لا يمكن أن يُفهم إلا إذا فهمت ماهية الدولة، تلك التي لا تحتمل المزاج ولا التردد.
فالرجل كان مؤمناً أن الدولة إن تهاونت يوماً في أمنها، تهاونت في وجودها، وأن الوزير الذي يريد أن يرضي الجميع، لا يصلح إلا مديراً للعلاقات العامة.
في حضوره كانت الكلمات حازمة، تشبه أوامر الانضباط، وكان يرى أن اللين في غير موضعه ترفٌ قاتل.
وحين كان يتحدث عن الأمن، لم يكن يقصد البطش، بل الهيبة التي تُلزم الخارج عن القانون بأن يقف قبل أن يُوقف.
كان يدرك أن هيبة الدولة لا تُستعاد بخطابات النوايا، بل برجالٍ لا يختبئون خلف الألقاب.
اليوم، ونحن في زمنٍ تتنازع فيه السلطة والجرأة، والقرار والتردد، كم نحتاج لتلك المدرسة التي أنجبت رجالاً من طينة سلامة حماد.
رجالٌ لا يتحدثون كثيراً، ولا يبتسمون كثيراً، لكنهم حين يتخذون قراراً، يشعر المواطن أن هناك دولة تحميه لا تُجامل فيه.
لقد صار فينا وزراء ينحتون صورهم في “إنستغرام” أكثر مما ينحتون قراراتهم في أرض الواقع، وابتذلوا فكرة المنصب حتى غدت الوزارة كأنها نادٍ للنخبة لا خندقاً للوطن.
سلامة حماد لم يكن وزيراً للفنون الجميلة، لأن الدولة ليست لوحةً زيتية تُعلّق في صالون، بل كيانٌ إذا تصدّع، سقطنا جميعاً.
الله الله على رجالاً فهموا أن الصرامة في خدمة الوطن ليست قسوة، وأن اللين في غير موضعه خيانة مغطاة بالابتسامة.
ولو كان في زمننا مثل سلامة حماد، لارتعد كل متخاذل، ولَعرفَ كل مسؤولٍ أن المنصب ليس “إتيكيتاً” بل موقفاً، وأن الدولة التي تتزين بالكلمات، لا بد أن تنكسر حين تواجه الأفعال.
#ماجدـابورمان

