عقل الدولة

3 د للقراءة
3 د للقراءة
عقل الدولة

صراحة نيوز- بقلم: جهاد مساعده
منذ نشأة الدولة الأردنية وهي تتعرّض لاختباراتٍ متلاحقةٍ تتبدّل وجوهها وأدواتها، لكنّ هدفها يبقى واحدًا: النيل من مناعتها ومتانة جبهتها الداخلية. ورغم كلّ ما مرّ به الوطن من عواصف وتحديات، ظلّ الأردن كما هو؛ ثابتًا، متماسكًا، يواجه بصبرٍ وعقلٍ ومسؤولية.
لقد ظنّ البعض، في لحظات الغفلة أو الغرور، أنّ بإمكانهم اختطاف الشارع أو المتاجرة بعواطف الناس أو رفع الشعارات الرنّانة لتقويض الثقة بين الشعب ومؤسساته. لكنّ الأردن، الذي وُلد من رحم الصعاب، أثبت أنّه أقوى من كلّ الموجات، وأقدر على حماية نفسه من الداخل والخارج.
اليوم، ومع ما تكشفه التحقيقات حول ممارساتٍ لبعض الجهات وارتباطها بتنظيماتٍ محظورةٍ تجاوزت حدود القانون، يتضح أنّ الدولة الأردنية لم تكن في سبات، بل كانت تراقب بصمتٍ وحكمة، وتتحرك بعقل الدولة لا بانفعال الأفراد. فالأردن لا يحارب حزبًا ولا يصادر فكرة، بل يحمي سيادته وقوانينه من أن تُستغلّ لأجنداتٍ خارجيةٍ أو صراعاتٍ أيديولوجيةٍ تجرّ البلاد إلى الفوضى.
لقد أثبتت الدولة أنّ الصبر ليس ضعفًا، وأنّ الحزم ليس تعدّيًا على الحرية. فحين صبرت على التجاوزات منحت فرصةً للتصويب، وحين قرّرت المواجهة فعلت ذلك بالقانون لا بالانتقام. وهنا تكمن قوّتها: في قدرتها على الموازنة بين الأمن والحرية، وبين الانفتاح والانضباط، وبين الحوار والقرار.
الأردن ليس دولة تُدار بالمزاج أو العاطفة، بل بالمؤسسات والقانون. ومن يظنّ أنّ بإمكانه اللعب على أوتار الدين أو الوطنية لتحقيق مكاسب حزبية، سيكتشف سريعًا أنّ الأردن دولة أكبر من الجميع، لا يختطفها شعار ولا يهزّها هتاف. فالدولة الأردنية لا تخشى المعارضة بل التلاعب بالعقول، ولا تضيق بالرأي لكنها ترفض من يتاجر بالرأي العام.
وفي كلّ مرةٍ حاولت فيها بعض الجهات ركوب الموجة أو العزف على عاطفة الشعب لإثارة الشغب، خرج الأردن من التجربة أصلب وأكثر وعيًا. لأنّ الأردنيين يفرّقون جيّدًا بين من يخدم الوطن ومن يستخدمه.
ما يجري اليوم ليس حدثًا طارئًا، بل فصلٌ جديدٌ في كتابٍ طويلٍ من التحديات التي عرفها الأردن منذ التأسيس. وإذا كانت بعض القوى تراهن على تعب الشارع، فإنّ الدولة تراهن على وعي الأردنيين الذين يعرفون أنّ وطنهم ليس ساحة صراعٍ أيديولوجي، بل بيتٌ كبيرٌ يستظلّ به الجميع.

فالأردن بثقته المتبادلة بين القيادة والشعب صمد أمام رياح المنطقة كلّها، وخرج من الأزمات أكثر وعيًا وصلابة.
ومن أراد بالأردن سوءًا، فليقرأ تاريخه أولًا، ومن ظنّ أنّه يستطيع العبث بصفوفه، فليتعلّم معنى كلمة الدولة.
فالأردن، كما كان دائمًا، عصيٌّ على كلّ المؤامرات… لا يضعف، لا ينكسر، ولا يُدار إلا بعقلٍ وطنيٍّ يقظٍ يحميه من كلّ المؤامرات.

Share This Article