زلزال ممداني .. ثمرة .. طوفان الأقصى

9 د للقراءة
9 د للقراءة
زلزال ممداني .. ثمرة .. طوفان الأقصى

صراحة نيوز-عوض ضيف الله الملاحمة

طوفان الأقصى ذهب للحد الأقصى في كل شيء . ذهب للحد الأقصى في عدد الشهداء والجرحى والمفقودين . ذهب للحد الأقصى في الدمار . ذهب للحد الأقصى في الصبر ، والجوع ، والجفاء ، والعزلة ، والمقاومة . كما ذهب للحد الأقصى في إنقلاب مواقف شعوب الغرب من تأييد قوي ، الى عدائية شديدة وغير متوقعة للكيان الصهيوني تحديداً وللصهيونية عامة .

وهنا أرى انه من الضرورة التعريف باختصار بالسيد / ممداني : إسمه : زهران كوامي ممداني . مغني راب ، أصوله هندية ، ولد في مدينة كمبالا عاصمة اوغندا ، عام ١٩٩١ ، وعاش بداية في كيب تاون في جنوب افريقيا ، قبل انتقاله الى نيويورك ، وعمره ( ٧ ) سنوات . وهو حاصل على شهادة الآداب من جامعة بودوين . والده أستاذ جامعي ، من أصول هندية ، من مدينة غوجرات ، ويبدو انه حصل على الجنسية الأوغندية قبل الأمريكية . وكذلك والدته / ميرا ناير فهي من أصول هندية . تزوج ممداني من السيدة / راما صواف دوجي ، سورية الأصل ، من مواليد هيوستن عام ١٩٩٧ .

بعد فوزه وجه ممداني رسالة قوية إلى ترامب ، قال فيها : — [[ دونالد ترامب أعرف أنك تشاهدني ، لدي أربع كلمات لك : نيويورك ستبقى مدينة مهاجرين ، بناها المهاجرون ، ومدعومة من المهاجرين ، وإبتداءاً من اليوم يقودها مهاجر ]].

نيويورك مدينة ليست كأي مدينة ، وولاية ليست كأي ولاية . الناتج المحلي لنيويورك ( ١,٣ ) تريليون دولار ، وإيرادات البلدية ( ١١٢ ) مليار دولار سنوياً . ومساحة ولاية نيويورك ( ١٤١,٣٠٠ ) كم مربع ، وعدد سكانها حوالي ( ٢٠ ) مليون نسمة ، منهم ( ٢ ) مليون يهودي .

التحول الحقيقي ان يصوت ( ٤٠ ٪؜ ) من يهود نيويورك الى مسلم اوغندي من أصول هندية ، ديمقراطي إشتراكي ، مناصر لغزة وفلسطين ، هذا هو التحول الذي يلفت الأنظار .

ممداني لم يُنتخب لانه مسلم ، ولا لانه داعم للقضيه الفلسطينية . ممداني تم إنتخابه بسبب تركيزه في حملته الإنتخابية على الخدمات لذوي الدخل المحدود ، وارتفاع تكاليف المعيشة ، ولأنه وعد برفع الضرائب على الأثرياء وعلى قطاع الأعمال ، والإنتصار لحقوق العمال ، وبهذا يكون على النقيض من الرئيس / ترامب .

أستغرب الضجة الكبيرة التي أحدثها فوز ممداني كعمدة لمدينة نيويورك . لأسباب عديدة أذكر منها :—
١ )) هناك ( ١٢ ) رئيس بلدية في بريطانيا ، ومنها عمدة لندن السيد / صادق أمان خان . كما فاز ( ٣٨ ) مرشحاً مسلماً في انتخابات مسؤولين امريكيين .
٢ )) ممداني لن يحرر فلسطين ، ولن يستطيع تقديم اي شيء لغزة .
٣ )) ممداني لن يستطيع تقديم اي شيء للعرب والمسلمين .
٤ )) مناصرة ممداني لغزة وللقضية الفلسطينية تأتي ضمن الطوفان الذي غزا كافة دول الغرب ، لأنهم عرفوا حقيقة العدو الصهيوني ، والفضل بهذا يعود لوسائل التواصل الإجتماعي التي أضعفت تأثير الاعلام الصهيوني على الشعوب .
٥ )) ممداني لن يغير سياسة امريكا تجاه العرب والمسلمين .
٦ )) ممداني منتمٍ لأمريكا، مثله مثل غالبية المهاجرين الذي غادروا بلدانهم الى بلاد العم سام ، بلاد الأحلام ، وحققوا أحلامهم ، واستمتعوا بالديمقراطية ، والرعاية الصحية المتميزة ، والكرامة ، والعدالة ، والحياة الكريمة .
٧ )) ممداني عندما يقول بانه لن يتخلى عن ديانته ، يكون ذلك وفق إطار أنه أمريكي أولاً ، وهذا حق تحفظه له القوانين الاميركية.
٨ )) ممداني مهدد من الآيباك ، ورابطة مكافحة التشهير الصهيونية ، لذلك سيخطب ودّ كل معارضيه ومنهم الصهاينة .

كيف تغير الغرب ؟ السبب المباشر والفعلي لتغير الغرب ، وتحوله لمناصرة القضية الفلسطينية يتمثل في طوفان الأقصى ، فقط . بعدها يعود فيه الفضل لوسائل التواصل الإجتماعي ، التي خلّصت شعوب الغرب من سيطرة الإعلام الصهيوني . حيث أتاحت وسائل التواصل الإجتماعي ، لكل إنسان ان يُصبح إعلامياً يوثق منتجه بالصوت والصورة . وهكذا زالت الغمامة الصهيونية عن أعين الناس . ولأنها شعوب ديمقراطية ، متحضرة ، متفتحة ، حضارية ، سارت وفق قناعاتها وساندت الحق ، وطالبت بالعدالة . واحدثت تحولاً ، وزخماً جماهيرياً إجتاح كل مدن الغرب .

من يعيشون في الغرب غالبيتهم ينسلخون عن أصولهم — خاصة من جاءوا من دول العالم الثالث — وبصدق لديهم كل الحق — فمن حقهم ان ينتموا للبلاد التي إستضافتهم ، واستجاروا بها ، وآوتهم ، واحترمت آدميتهم ، وعززت إنسانيتهم ، وذاقوا فيها طعم الحرية ، والكرامة ، وتساوي الفرص ، والعدالة ، وعاشوا حياة رفاه بعد فقر وجوع .

ممداني ليس هو الوحيد الذي حقق هذا النجاح ، بل هناك ( ٤ ) شخصيات ثلاثة منهم فازوا كرؤساء بلديات ، وواحدة حصلت على منصب نائبة رئيس بلدية . كما ان هناك ( ٢ ) سيدتين من أصول عربية فازتا بمنصب نيابي في الكونغرس الأمريكي قبل بضع سنوات .
هذا في أمريكا لوحدها . أما في بريطانيا فهناك ( ١٢ ) رئيس بلدية ، وأهمها رئيس بلدية العاصمة لندن السيد / صادق أمان خان . وعلينا ان لا نتوقع من هؤلاء كلهم مواقف داعمة بشكل حقيقي وفاعل لقضايانا العربية والإسلامية ، لأسباب عديدة .

هؤلاء ينتمون لمجتمعاتهم المحلية وأهدافهم تتمثل في خدمتها .
لكن ما يستحق التأشير عليه هو قبول المجتمعات الغربية عامة للعرب والمسلمين لتصدر مواقع في بلدانهم . وغالبيتهم ينسلخون عن أصولهم . كما انهم يصبحون غير مهتمين باصولهم ، لأن إنتمائهم الحقيقي يكون للمجتمعات التي سمحت لهم بتولي تلك المواقع ، لتحقيق الذات .

صحيح ان ( ٢٦ ) مليارديراً تبرعوا بمبلغ (٢٢ ) مليون دولار لإسقاط ممداني
أول وأصغر مسلم يفوز بهذا الموقع .
وهو اصغر عمدة تنتخبه نيويورك منذ ( ١٠٠ ) عام . صحيح ان الإعلام الصهيوني يعيش حالة ذهول . وصحيح انه قال انه سيعتقل نتنياهو اذا دخل نيويورك . لكن كل ذلك لا يؤثر على إنتمائه لوطنه الجديد ، ولن يتخذ إجراءاً يضر به .

وصحيح ان الإعلام الصهيوني وصف ممداني بانه مزّق الجالية اليهودية في نيويورك . وذُهلوا من تصويت ( ٤٠٪؜ ) الى ممداني . وصحيح ان هذا ليس بسيطاً ، خاصة انه أتى بعد قرن من الدعم المطلق للصهيونية . وبالتحديد لأنه حدث في نيويورك ( مربط خيلهم ) وهي المدينة ذات الخصوصية . ففي نيويورك حوالي ( ٣٤,٠٠٠ ) أسرة دخلها السنوي ( ١ ) مليون دولار ، و ( ١,٠٠٠ ) أسرة دخلها السنوي يزيد عن ( ١٠ ) مليون دولار ، و ( ١٥٢ ) مليارديراً ، وترتيب إيرادات ولاية نيويورك هو الثالت بعد كاليفورنيا وتكساس . وصحيح ان ترامب هدد بحرمان نيويورك من التمويل الإتحادي . مع انه ليس من صلاحياته وانما من صلاحيات الكونغرس وتحديداً البرلمان .

ما أشعر به من هذا الإهتمام الكبير على المستوى العربي وكأن ممداني سينقذنا من كافة مصائبنا ويكافح للإرتقاء بنا الى مصاف الدول المتقدمة ، وهذا لن يكون أبداً ، لأن ممداني ينتمي الى امريكا وطنه الجديد ، الذي أفسح له المجال ليصل الى ما وصل اليه . يبدو أننا أصبحنا كالتي تتغزل في شعر جارتها . لأننا نتباهى بإنجازات غيرنا ، و( نتعشم ) بما لا يمكن حصوله .

Share This Article