صراحة نيوز- تمكّن فريق فلكي أردني من رصد وتصوير المذنب بين النجمي 3i/Atlas من أعماق الصحراء الجنوبية، في أول عملية رصد من نوعها داخل سماء المملكة، وذلك بعد متابعة دقيقة لمساره بينما كان يبتعد نحو 325 مليون كيلومتر عن الأرض، وفق ما أكده رئيس الجمعية الفلكية الأردنية عمار السكجي.
ويُعد مذنب أطلس 3i/Atlas من الأجرام النادرة التي لا تنتمي إلى النظام الشمسي، بل وصل من الفضاء بين النجوم واخترق حدوده، ما أثار اهتمامًا واسعًا عبر وسائل الإعلام ومنصّات التواصل بسبب طبيعته الاستثنائية. فهو ثالث جسم بين نجمي مؤكّد يتم اكتشافه حتى الآن بعد ʻOumuamua وBorisov، وقد حسم العلماء الجدل بالتأكيد أنه مذنب طبيعي وليـس جسمًا صناعيًا أو مركبة فضائية كما روّجت بعض الشائعات.
وظهر المذنب لأول مرة في 1 تموز 2025 بواسطة منظومة المسح السماوي ATLAS في تشيلي بلمعان ظاهري يقارب 18، وكان يتحرك بسرعة تقارب 220 ألف كيلومتر في الساعة باتجاه الشمس، بحسب السكجي.
وتبع الاكتشاف سلسلة واسعة من عمليات الرصد الأرضي والفضائي، بينما تواصل مركبة JUICE الأوروبية متابعة المذنب عن قرب. وبسبب مساره المفتوح غير المرتبط بجاذبية الشمس، منحته لجنة الأجسام البعيدة التصنيف 3i، ما يعني أنه ثالث زائر بين نجمي موثق. ويسلك المذنب مسارًا قطع زائد بسرعات فائقة تبلغ نحو 209 آلاف كيلومتر في الساعة عند دخوله النظام الشمسي.
وتشير حسابات مختبر الدفع النفاث JPL في ناسا، وفق السكجي، إلى وجود تسارع غير جذبي ناجم عن ظاهرة التسامي، بقدَر شعاعي يساوي واحدًا على مليون ومماسـي يقارب واحدًا على عشرة ملايين، ما يُتوقع أن يؤدي إلى فقدان عُشر كتلته. كما تصل سرعة الغازات المتصاعدة من سطحه إلى مئات الأمتار في الثانية، مع نصف عمر للتبخر يصل إلى ستة أشهر.
ورصدت مركبات STEREO وSOHO وGOES-19 زيادة واضحة في سطوعه بين أيلول وتشرين الأول بفعل التبخر المكثف، فيما لا تزال بعض الظواهر قيد الدراسة، وأبرزها اللون الأزرق غير المعتاد الذي ظهر عند اقترابه من الحضيض.
ومن المتوقع أن يبدأ مسبار JUICE مرحلة رصد أكثر تفصيلًا في الأسبوع الأول من تشرين الثاني، قبل أن يصل المذنب إلى أقرب نقطة له من الأرض في 19 كانون الأول 2025 على مسافة 269 مليون كيلومتر، حيث ستشارك مئات التلسكوبات الأرضية والفضائية، بينها هابلوجيمس ويب، في متابعته. وكانت ذروة اقترابه من الشمس قد سجّلت في 29 تشرين الأول عند مسافة 1.36 وحدة فلكية بين مداري الأرض والمريخ.
وضمّ فريق الرصد الأردني كلًّا من عدلي الحلبي وسميح صوفان وعمّار السكجي، فيما تولّى هيثم حمدي وأنس صوالحة معالجة أكثر من 300 إطار صوري التقطتها الأجهزة الفلكية.
ويؤكد علماء ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية أن المذنب لا يشكل أي خطر على الأرض، ومن المرجح أن يغادر النظام الشمسي مجددًا بعد عبوره. وتقدّر نواة المذنب بقطر يتراوح بين 0.32 و5.6 كيلومتر، مع احتمال أن تكون أقل من كيلومتر واحد بسبب كثافة الغبار المحيط به. كما كشف تلسكوب جيمس ويب عن وفرة غير اعتيادية في غاز ثاني أكسيد الكربون، إلى جانب كميات ضئيلة من ماء الجليد وبخار الماء وأول أكسيد الكربون، إضافة إلى انبعاث النيكل الذري CN وNi وغياب الحديد Fe I، وهي سمات نادرة في المذنّبات.
أما ذيل الغبار المحيط به فقد ظهر بوضوح في الصور عالية الدقة، مشكّلًا فرصة علمية فريدة لدراسة جرم قد يعود تاريخه إلى ما قبل نشوء النظام الشمسي وربما لأكثر من 7 مليارات سنة.
ورغم عدم إمكانية رؤيته بالعين المجرّدة، فإن رصده يفتح بابًا جديدًا لفهم الأجسام بين النجمية، ويطرح تساؤلات حول تنوع أصول المذنبات وتركيب المواد الكيميائية في الفضاء العميق، في تذكير دائم بأن النظام الشمسي مفتوح على زوّار يحملون أسرارًا قد تعيد تشكيل معارفنا عن الكون.

