صراحة نيوز- بقلم / د . يحيي الخريسات
أنا شاهدتهم حين حركوا اللافتة، وغيروا الاتجاه.
وأنتم أيضاً تعرفون، في أعماقكم، أنهم حرفوا المسار، وأمالوا البوصلة كي تضلّ القوافل.
اطمئنوا… ما زلت أعرف الطريق.
زرعتُ البوصلة في قلبي منذ زمن، وحفرتُ العلامات في ذاكرتي كما تُنقش الآيات على الحجر.
كنت أراقب وصفي من بعيد، لمحته وهو يعبر بين الناس كأن الأرض تفسح له الطريق خشوعاً.
ابتسم حين شعر أنني أتبعه، وتعمد أن يترك أثرًا من نورٍ خلفه، كي لا يضلّ من يأتي بعده.
كنت صغيراً، لكنني رأيتهم… رأيتهم حين تواطأوا على النور واغتالوه.
قتلوه لأنه كان يعرف الطريق، لأن صوته كان يوقظ الضمائر النائمة في مقابر المناصب.
فلماذا تقفون جامدين؟
الوقوفُ موتٌ مؤجل، والتيهُ أسرٌ بملامح الحرية.
صبرًا، لا تسيروا باتجاه اللافتة، فالاتجاه مسموم، والرايات مقلوبة.
يا أخي… يا صديقي… يا ابني… يا أهلي… الاتجاه خطأ!
أتعبتم روحي…
من السهل أن أترككم وأمضي، لكن ذلك بالضبط ما يريده من بدّل المعنى، ومن دسّ السم في حروف الوطن.
ما يؤلمني أنكم تسترشدون بمن أراد إهلاككم، بمن صاغ من الضلال منهجاً، ومن الغفلة ديناً، ومن الزيف قداسةً.
أرجوكم… الطريق من هنا، من عرق الشرفاء، من بقايا الصادقين الذين لم يبدّلوا البوصلة بثمنٍ بخسٍ من المناصب أو المديح.
قال لي وصفي بخطواته الواثقة: “الطريق لا يضلّ من سار فيه بقلبٍ مستقيم.”
يا الله، ارحم وطني…
وأنقذه من اللافتات المقلوبة، ومن المهرّجين الذين يبيعون الاتجاهات في أسواق السياسة.
اجعل فينا بوصلةً من وعيٍ لا تُشترى، وبصيرةً لا تُطفأ.
فإن ضاع الطريق، فليكن القلب هو الخريطة،
وإن سقطت اللافتات، فليكن الوجدان هو العلامة.
وإن تبدّل كل شيء، فليبقَ فينا أثر وصفي، كنجمةٍ لا تنطفئ،
تدلّنا حين يخون الضوء،
وتذكّرنا أن الاتجاه الصحيح .

