صراحة نيوز-بقلم: جهاد مساعده
في زمنٍ صار فيه الفيسبوك ديوانَ العربِ الجديد، خرج التضليلُ من بين أصابعٍ تزعم أنها تُدافع عن الوطن، بينما هي تغرس أنيابها في خاصرته. أفاعٍ رقميةٌ تتسلّل في العتمة، تُتقن الثرثرة ولا تُتقن غيرها، وتنشر الشائعات كما تُناثر الأفاعي سمَّها؛ بلا وعي، بلا مسؤولية، بلا شرفٍ للكلمة ولا وفاءٍ لتراب الوطن.
وفي زمنِ ديوانِ العربِ الجديد، ظهرت أفاعٍ رقميةٌ لا عملَ لها إلا التَّعَقُّبَ…
تَعَقُّبَ الأنفاسِ، وتَتَبُّعَ الظلالِ، والانقضاضَ على أي خطوةٍ تشبه الإنجاز..
كائنات تزحف بين المنشورات كما يزحف السمُّ في عروقها.
هذه الأفاعي مجرد عَقَبَةٍ تمشي على قدمين،
تَعْثُرُ بنفسها، وتظن العثرة بطولة، ثم تخرج لِـتُعاقِبَ العالمَ بلسانها،
وتؤلف شائعاتٍ كلامية على كل من يسبقها… حتى لو بخطوةٍ واحدة.
في الصباح تفتح هاتفها، لا لتعمل، بل لتثأر.
تبلع شائعةً، وتتقيأ منشورًا، وتُمارس الثَّرَّ… ثم الثَّرْثَرَ… حتى تبلغ الثَّرْثَرَةَ الكاملة،
ثرثرةً لا تنتهي، تكاد تسمع صداها وهي ترتطم بجدران عقلها الفارغ.
مصابةٌ بداءِ الانفصام، تعيشُ حياةً أخرى خلف الشاشة، حيث تتقمص أدوار البطولة، وتتكلم كأنها مؤسسة، ومركز دراسات، وأنثى مُنزَّلةٌ من الأساطير.
وهذا ما يسميه الطبُّ: جنون العظمة بنسخته الرديئة.
أتعلم مفارقة القدر؟
إنها تُعاقِبُ وتُعاقَبُ في اللحظة نفسها؛
تُعاقِبُ الآخرين بسمِّها، وتُعاقَبُ هي بمرضها النفسي، ويغدو تَعَقُّبُها مُعاقَبَةً يوميةً لنفسها،
لأن الله كتب على بعض الناس أن يكونوا عَقَبَةً… حتى في مرقدهم.
هي لا تملك شجاعة المواجهة؛
فتختبئ خلف حساباتٍ، تُطلِق شائعةً هنا، وتنشر فتنةً هناك،
وتظن أن الفضاء الرقمي لن يردَّ الصفعةَ لها صفعات.
لكن الشائعةَ مثل الأفعى:
تعود لِتَقْضِمَ ذيلها، وتلتفَّ على صاحبها قبل أن تصلَ إلى غيره.
وفي النهاية، ستبقى هذه الأفعى تَثْرِثِرُ حتى تتعب، وتَتَعَقَّبُ حتى تُرهَق، وتُنزل مُعاقَبَاتٍ على الجميع بلسانها الطويل،
بينما العقوبة الحقيقية تنتظرها هي…
حين تسقط فجأةً من شجرة الوهم التي صعدتها، وتكتشف — بعد فوات العمر —
أن الثَّرْثَرَةَ ليست إنجازًا،
وأن التَّعَقُّبَ ليس سُلَّمًا،
وأن أكثر الناس سقوطًا… هم الذين عاشوا عمرهم عَقَبَةً في طريق الآخرين.
الثَّرْثَرَةُ والتَّعْقِيبُ في دِيوَانِ العَرَبِ الجَدِيدِ

