صراحة نيوز-المحامي حسام العجوري
لقد أصبح التحكيم في العقود الحكومية تهديدًا مباشرًا للمال العام في الأردن. فقد تكبّدت وزارات حيوية مثل وزارة المياه والري ووزارة الأشغال العامة والإسكان خسائر هائلة تجاوزت مئات الملايين من الدنانير بسبب أحكام تحكيمية، وفق مصادر موثقة. هذه التجارب أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك أن التحكيم لم يعد أداة عادلة لحماية مصالح الدولة، بل أصبح وسيلة لاستنزاف خزينة الوطن بلا رقابة فعالة.
العديد من الاتفاقيات التي أبرمتها الوزارات مع شركات محلية وأجنبية تضمنت شرط التحكيم، ما منح لجان تحكيم خاصة سلطة فرض تعويضات ضخمة على الدولة، في مشاريع حيوية تتعلق بالمياه والطرق والبنى التحتية الأساسية. والنتيجة كانت خسائر فادحة وأضرار مباشرة بثقة المواطنين في إدارة المال العام.
إن أتعاب هيئات التحكيم وصلت في بعض القضايا إلى ملايين الدنانير، بينما لو لجأت الدولة إلى القضاء الأردني لما تجاوزت رسوم التقاضي بضعة آلاف، مع ضمان العدالة والشفافية الكاملة ضمن اختصاص وطني يحمي المال العام.
والأهم، أن اللجوء إلى القضاء الوطني في الاتفاقيات الحكومية لا يحقق العدالة فحسب، بل يمنع الفساد الإداري والمالي، ويضمن الرقابة الصارمة على جميع الأطراف، ويحمي خزينة الدولة من أي تجاوزات أو صفقات مشبوهة. القضاء الأردني هو الدرع الحامي للمال العام، ولا يجوز التفريط فيه لصالح لجان خاصة لا تخضع للرقابة الوطنية.
اليوم، الأردن بحاجة لموقف وطني عاجل من مجلس النواب، لمراجعة جميع العقود الحكومية السابقة وإلغاء شرط التحكيم في كل اتفاقية تمس المال العام. على المجلس أن يتحرك فورًا كجهة تشريعية حازمة، لضمان أن يكون القضاء الأردني هو المرجعية الوحيدة والفصل النهائي في النزاعات، وأن تتوقف الهدرات المالية التي تهدد ثروات الشعب الأردني.
إن حماية المال العام ليست خيارًا، بل واجبًا وطنيًا مقدسًا. الوطن يحتاج لمجلس نواب قوي وحاسم، قادر على فرض الرقابة وإلزام الحكومة بالحفاظ على المال العام، وإنهاء فترة التحكيم التي أرهقت خزينة الدولة. الوقت لا يحتمل التأجيل، والمسؤولية الوطنية تقتضي التحرك الفوري، قبل أن تتحول الخسائر إلى كارثة مالية لا تُعوَّض.

