صراحة نيوز-أكدت نزهة بنت محمد، مديرة ومؤسسة الإذاعة الجمعياتية الأولى في تونس وشمال أفريقيا (راديو 6 تونس)، أن بداية الحديث عن الإعلام المجتمعي كقاطرة للتنمية في تونس كان “مرهقًا في تشكيل الذهنية” لقبول الفكرة. وأوضحت أن مفهوم الإعلام المجتمعي وُلد “مشوهًا”، خاصة في سياق التطوع دون راتب، مما صعب استقطاب الشباب في ظل وجود منظمات مدنية توظف الإعلاميين براتب ثابت.
غير أنها أشارت إلى التطور الملحوظ، حيث تضم تونس اليوم 24 مؤسسة إعلامية مرخصة تنشط في إطار جمعياتي وتنتشر في معظم الولايات. وتعتمد استمراريتها على نشر ثقافة الوعي. وعلى الرغم من أن الدستور التونسي الجديد قد ضيق العمل في النظام المجتمعي قليلاً، شددت نزهة على أن الإعلام المجتمعي يبقى “قاطرة التنمية لتوعية الشباب في الاقتصاد الاجتماعي التضامني”. واستشهدت بإذاعة “نفزاوا” في الجنوب التونسي، كنموذج رائد بإدارة شبابية تروج للفلاحة المحلية وتستقطب المستثمرين، ما جعلها رمزًا للإنتاج المحلي. وأكدت أن الإذاعات المجتمعية التونسية تعتمد على مبدأ “منها وإليها”، حيث يؤدي الترويج للمواد المحلية إلى عائد مادي يدفعها للاستمرارية بدعم من جهود الشباب.
اليمن: كسر الهيمنة الحكومية وتحديات الحرب والتشريع
من جانبه، أفاد الصحفي والباحث اليمني بشر الضرعي أن أول إذاعة مجتمعية يمنية صدرت عبر الإنترنت كانت ببصمة “راديو عمان نت”، مشيرًا إلى أن الإسهام الأردني استمر في إطلاق وتدريب فرق عدد من الإذاعات. وبيّن الضرعي أن وجود الإذاعات المجتمعية في اليمن “كسر الهيمنة الحكومية على الإعلام”.
واستفادت هذه الإذاعات من زخم الحالة اليمنية بعد عام 2012، إلا أنها انتكست بفعل الحرب الدائرة. وعلى الرغم من ذلك، أشار الضرعي إلى ظهور مبادرات مجتمعية خلال فترة الحرب أوجدت إذاعات في محافظات غير رئيسية، خلافًا للتركيز السائد في الوطن العربي على المدن الكبرى. كما وجد منها التخصص، كإذاعات خاصة بالنساء والتنمية والتعليم، ولعبت دوراً حيوياً في تمكين الشباب حيث وفرت فرصاً تدريبية للخريجين الذين لم تجدوا فرصهم في كليات الإعلام التقليدية.
لكن التحديات الأمنية والتشريعية تبقى الأبرز، إذ أن غياب الإطار القانوني يعرض الإذاعات المجتمعية لخطر “الاقتحام الأمني” في أي وقت. وأوضح أن اعتماد هذه الإذاعات على برامج وتمويل من منظمات دولية أدى إلى إهمال نماذج العمل للاستثمار المحلي، ما شوه صورة الإعلام المجتمعي أمام الدولة. كما تواجه الإذاعات تحديات تتعلق بضعف خدمات الإنترنت وغياب الأجهزة الحاسوبية، ما يستدعي تدخل الدولة لإنشاء صندوق دعم خاص.
العراق: البودكاست ملاذ آمن للأصوات المهمشة
في مداخلتها، أكدت الصحفية والباحثة العراقيّة منار الزبيدي على الأهمية المتزايدة لـ “البودكاست” بوصفه أداة فاعلة في التنمية الاجتماعيّة. ولفتت إلى أن البودكاست أصبح في العراق “ملاذًا آمنًا للأصوات التي تُهمَّش أو تُغيَّب في وسائل الإعلام التقليدية”، وشكل منصة إبداعية للمناصرة والتعبير.
وعن دور البودكاست بالنسبة للنساء، استشهدت الزبيدي بمنصة “أنا حُرّة”، وهي أول منصّة مخصّصة للأصوات النسوية في العراق، والتي تعكس المستوى المتقدم الذي وصل إليه هذا الفضاء الرقمي في طرح قضايا المرأة بمهنية وموضوعية. وأكدت الزبيدي أن البودكاست يمثل اليوم منصة تحافظ على استقلاليّة الصوت الإنساني وتتيح طرح الآراء بعيدًا عن أي تحيّز قد يكون حاضراً في بعض وسائل الإعلام.
الأردن: التشريعات المتميزة وتحدي المغادرة نحو التقليدي
أشار الأمين العام لوزارة الاتصال الحكومي، زيد النوايسة، إلى أن تجربة الأردن من حيث التشريعات المتعلقة بالبث الإذاعي والفضائي هي “الأكثر تميزاً” بشهادات دولية، مذكراً بأن أول مدينة إعلامية في المنطقة كانت في الأردن.
وأكد النوايسة على إيمان الأردن بأهمية الإعلام المجتمعي كونه “صوت للمجتمعات ذات التحديات”، مشدداً على ضرورة إتاحة مساحة متساوية ومميزة له في الأطراف والقرى، كونها الأكثر حاجة لفرص التغطية. ولفت إلى أن الإذاعات المجتمعية تتمتع بمرونة كبيرة سياسياً وإدارياً. إلا أن التحدي يكمن في مغادرة بعض الإذاعات لأهدافها التأسيسية والتحول إلى الإعلام التقليدي بسبب صعوبة مواجهة التحديات. كما أشار إلى أن الإعلام المجتمعي يعيش تحدياً واضحاً في ظل التطور السريع للذكاء الاصطناعي والإعلام الرقمي، مما يتطلب مواكبة مستمرة لأدواته وتطوراته.

