” تصريحات المناصير ” نُقدر دور وجهود هيئة النزاهة … ولكن ؟؟؟

6 د للقراءة
6 د للقراءة
" تصريحات المناصير " نُقدر دور وجهود هيئة النزاهة ... ولكن ؟؟؟

صراحة نيوز ـ كتب محمد القرعان

تابعتُ باهتمام ـ البيان الذي أصدرته هيئة النزاهة ومكافحة الفساد بشأن التصريحات المنسوبة للمستثمر الأردني زياد المناصير.
ومع تقديري للدور الوطني الذي يجب أن تضطلع به الهيئة، فإن مضمون البيان حمل رسائل مقلقة تستوجب التوضيح والمساءلة، ليس من أجل المناصير وحده، بل من أجل صورة الدولة وثقة المستثمرين.

فالبيان بدا أقرب إلى “مذكّرة تبرير” منه إلى موقف مؤسسي حازم. وهو بيان أثار أسئلة أكثر مما قدّم إجابات، وفتح باب الشك بدل أن يغلقه، وأوحى للرأي العام بما لم يجرؤ على قوله صراحة.

أولًا: تجاهل جوهر الاتهامات ليس سهوًا… بل خيارًا مقصودًا

المناصير تحدث عن ضغوط، تعطيل، تهديد، ابتزاز، وإساءة استخدام سلطة.
هذه مفردات ثقيلة تهزّ أي دولة تحترم نفسها، وتُعدّ في كل الأنظمة الرقابية حول العالم سببًا مباشرًا لفتح تحقيق عاجل.

لكن الهيئة تجاهلتها بالكامل:

# لم تنفِ،
# لم تفسّر،
# لم تستوضح،
# لم تستدعِ أحدًا،
# ولم تعلن بدء تحقيق.

بل مرّت عليها وكأنها لم تُذكر أصلًا، وهذا أعطى الضوء الأخضر للرأي العام كي يتساءل عن دوافعه.
فأي هيئة نزاهة تحترم نفسها لا تتعامل مع مثل هذه الاتهامات كـ”مادة علاقات عامة”.

ثانيًا: استحضار “ملف محطة الوقود” لم يكن توضيحًا… للأسف

الهيئة اختارت أن تفتح ملفًا قديمًا يتعلق بمحطة وقود قرب المدرج الشمالي لمطار الملكة علياء، وتوسّعت في شرح الأمتار والمساعدات الملاحية والإنارة الإرشادية واعتبارات السلامة.

المشكلة هنا ليست المعلومات… بل توقيت طرحها.

فلم يسأل أحد عن هذه القضية، ولم يربطها أحد بالضغوط التي تحدث عنها المناصير.
إذن لماذا أعادت الهيئة فتحها؟

الإجابة واضحة ما فسره البعض أن تزرع في ذهن الناس رسالة مبطّنة مفادها أن المناصير كان يحاول الضغط على الدولة لتمرير ترخيص، وليس العكس.

في محاولة هندسة انطباع ضد أحد أهم المستثمرين في البلد. وبذلك، ومن دون أن تقولها بصراحة، ظهرت الهيئة وكأنها تنقل المناصير من خانة “ضحية الضغط” إلى خانة “ممارس الضغط” ما اعتبره البعض إساءة مقصودة ومضلِّلة لرجل استثمار وطني لم يعرف عنه يومًا أنه مارس نفوذًا سياسيًا أو ضغطًا على الدولة.

فإن كانت الهيئة تملك الجرأة لتلميح إساءة بحق المناصير… فلتملك الجرأة لتعلن الحقيقة كاملة للرأي العام:

من ضغط؟
متى؟
بأي طريقة؟
وما علاقة محطة الوقود بالقضية أصلاً؟

ثالثًا: قلب اتجاه القضية بالكامل

بدل أن تقول الهيئة:

# سنحقق
# سنوثّق
# سنستدعي
# سنكشف
# سنعلن النتائج
# وسنحمي المستثمرين

قالت ما يشبه:
“نعم، هناك ملف سابق للمناصير، لكنه رُفض لأسباب فنية.”

وهذا انقلاب كامل على مضمون القضية، التي لم تكن — لا من قريب ولا من بعيد — عن 130 مترًا من سياج المطار.

القضية كانت ولا تزال:
هل هناك مسؤولون مارسوا ضغطًا أو تهديدًا أو تعطيلًا ضد مستثمر وطني؟ والبيان تجاهل هذا السؤال بالكامل.

رابعًا: غياب أي إجراءات ملموسة يكشف غياب الإرادة

البيان لم يعلن:
# فتح تحقيق
# استدعاء أطراف
# تدقيق ملفات
# تشكيل لجنة
# أو حتى نفي رسمي واضح

بل اكتفى بصياغة باردة، بلا موقف، بلا روح، بلا نتيجة، وكأن الهيئة تحاول إطفاء الضجة بدل فحص الحقيقة.

هذا الصمت عن الجوهر ليس دفاعًا عن الدولة… بل إضعاف لها.

خامسًا: احترام الدولة شيء… واحترام عقل الأردنيين شيء آخر

الشعب ليس ساذجًا.
يعرف متى تحاول جهة رسمية:
1- تغيير الموضوع
2- تخفيف وقع الأزمة
3- أو تمرير انطباع دون قوله صراحة

والبيان الأخير فعل ذلك تمامًا.
فقدّم رواية بديلة بدل مواجهة الرواية الأصلية، وأضعف صورة الهيئة بدل أن يعزز الثقة بها.

فإذا كانت الاتهامات غير صحيحة، كان يجب نفيها وإذا كانت صحيحة، كان يجب التعامل معها بجدية.
أما تقديم بيان رمادي، لا يحمي الدولة ولا يحمي المستثمرين.

سادسًا: القراءة المتأنية للبيان توحي بين السطور بوجود إساءة للمناصير … وهذا أخطر من الاعتراف

الهيئة لم تتهم المناصير مباشرة، لكنها تركت للرأي العام انطباعًا بأنه “صاحب ضغط” على الدولة. في محاولة لإرسال رسالة دون تحمل تبعات قولها.

لكنها طريقة لا تليق بهيئة يفترض أنها تحمي النزاهة، لا تُسهم في تشويه سمعة مستثمر وطني قدّم آلاف فرص العمل ولم يقترب يومًا من السياسة أو النفوذ.

سابعًا: على الهيئة إصدار بيان ثانٍ واضح وصريح

لأن البيان الأول لم يكن بمستوى الحدث، ولأن الثقة العامة أكبر من أن تُترك للالتباس، فإن الهيئة مطالَبة الآن بالإجابة عن الأسئلة التالية:

1. هل بدأ تحقيق فعلي؟
2. من هم الأطراف الذين جرى الاستماع إليهم؟
3. هل هناك مسؤولون متهمون بالإساءة للمناصير؟
4. لماذا تجاهلت الهيئة جوهر الاتهامات؟
5. ما علاقة فتح ملف محطة الوقود بالقضية الحالية؟
6. هل سيتم إعلان نتائج التحقيق للرأي العام؟

دون هذه الإجابات سيبقى البيان الأول مجرد محاولة “لإسكات الضجة” وليس “لمعالجة القضية”.

بيان الهيئة لم يبرّئ أحدًا… لكنه نجح في إيصال إساءة مبطّنة للمناصير، وقلب اتجاه القضية، وتجاهل أخطر ما ورد فيها، وفتح ملفًا قديمًا لصياغة انطباع ضد طرف كان يفترض أن يُعامل باحترام. وهذا خطأ استراتيجي يجب تصحيحه فورًا.

الأردن أكبر من أن تُدار قضايا الاستثمار فيه بهذا الشكل.
والهيئة مطالَبة — احترامًا لدورها قبل أي شيء — بتصويب رسالتها، لأن ما كُتب حتى الآن لا يخدم لا الحقيقة، ولا الاستثمار، ولا ثقة الناس.

Share This Article