صراحة نيوز ـ بقلم محمد القرعان
في الوقت الذي ترفع فيه الحكومة راية “التحول الرقمي” في كل مناسبة، وتعد الأردنيين بقفزة نوعية نحو المستقبل، تختار — وبلا تردد — أن تدير هذا التحول بذات الوجوه التي أرهقها تدوير المناصب واستُهلكت أفكارها… وجوه تعتبر “فتح اللابتوب” إنجازًا إداريًا، و“تغيير كلمة السر” تحديًا وطنيًا يستحق اجتماع لجنة وزارية!
فكيف يمكن أن نتحدث عن مشروع وطني ضخم يحتاج إلى سرعة ومرونة ومهارات رقمية، بينما تُسند إدارته إلى قيادات تتعامل مع العالم الرقمي كأنه “مهمّة موظف في الأسفل”، لا أنه العمود الفقري للإدارة الحديثة؟
كيف نطالب بمؤسسات قادرة على العمل بذكاء اصطناعي وتحليل بيانات وأتمتة خدمات، بينما لا يزال بعض من يقود تلك المؤسسات يطلب من موظفيه تحديث التطبيق أو إنشاء كلمة سر جديدة؟
المشكلة ليست في العمر بحد ذاته، بل في العقلية التي ترفض أن تتغير.
فالتدوير المستمر للأسماء ذاتها، من موقع لآخر، لا ينتج خبرة تراكمية بقدر ما ينتج شبكة مغلقة تمنع دخول أي دم جديد.
والأدهى أن الحكومة تتحدث بثقة عن “تمكين الشباب”، بينما تُقصي الكفاءات الشابة عن المراكز التي تحتاج لعقولهم، وتصرّ على الاحتفاظ بمفاصل القرار لدى أشخاص لا علاقة فعلية لهم بالعصر الرقمي.
التحول الرقمي ليس بيانًا ولا شعارًا ولا مؤتمرًا مليئًا بالمصطلحات.
إنه ثورة في طريقة التفكير والإدارة والعمل والخدمة.
والثورة تحتاج إلى جيل يفهم سرعاتها، يعيش لغتها، ويستطيع اتخاذ قرار تقني دون الرجوع إلى “آخر من يعرف”.
لا يمكن لدولة أن تدخل المستقبل بينما تُبقي أبوابه بيد أشخاص يعيشون ذهنية الماضي.
ولا يمكن أن نطالب بنتائج مختلفة ونحن نُعيد تدوير القيادات نفسها التي لم تستطع تحقيق نتائج في مواقعها السابقة.
إن كانت الحكومة جادة في التحول الرقمي — لا في استخدامه كشعار — فعليها أن تكسر دائرة التدوير، وأن تفتح المجال لقيادات شابة متخصصة، تعرف التكنولوجيا لا من خلال العروض التقديمية، بل من خلال الممارسة اليومية والفهم العميق.
فالمستقبل لا ينتظر أحدًا،
والتحول الرقمي إما أن يُدار بعقول تؤمن به…
أو يظل مجرد عنوان جميل معلّق على جدار حكومي، لا يغيّر شيئًا في حياة الناس.

