صراحة نيوز- أ.د. بيتي السقرات / الجامعة الأردنية
في قديمِ الزمانِ، وفي إحدى الممالكِ البعيدةِ، كان هناكَ مَلِكٌ عادلٌ يُحبُّ رعيَّتَه، ويحرصُ على معرفةِ أحوالِهم، ليُصلِحَ ما فَسَد، ويُقيمَ العدلَ بينهم. ولأجلِ ذلك، اختار أحدَ خدمِه ليكونَ وسيطًا بينه وبين الناس، ينقُلُ إليه شكاوَيهم، ويصفُ له ما يحتاجون إليه.
وكان هذا الخادِمُ يُدعَى سالمًا. لم يكن سيِّئَ النيّةِ في البداية، لكنه كان يُحبُّ الراحةَ، ولا يرغبُ في التجوّلِ بين القرى وسماعِ مطالبِ الرعيّة. وبعدَ فترةٍ، بدأ سالمٌ يكتفي بالجلوسِ في قصرِه، ثم يعودُ إلى الملك ليُخبرَه بما يظنّ، لا بما يَرى، بل ويختلقُ أحيانًا أمورًا ليُظهِرَ نفسه نافعًا أمام الملك.
فكان يقول للملك:
“يا مولاي، الرعيّةُ بخيرٍ ونعمة، ولا حاجةَ لهم بشيء.”
وأحيانًا يقول:
“هناك متمرّدون يُريدون شقَّ الصفِّ”، ليُبرّرَ تأخُّره أو ليطلبَ مزيدًا من الجنودِ لخدمةِ مصالحِه الخاصّة.
وبينما كان سالمٌ يتلاعبُ بالكلمات، كانت القرى تزدادُ فقرًا، والطرقاتُ تتهدّم، والظلمُ ينتشرُ دون أن يصلَ إلى مسامعِ الملك شيءٌ مما يجري.
وذاتَ يومٍ، قرّر الملكُ – وقد شَكَّ في الأمر – أن يخرجَ متخفّيًا بين الناس ليرى الحقيقةَ بنفسِه. ارتدى ثيابَ رجلٍ عاديٍّ، وسار بين القرى؛ فلم يرَ حياةً كريمة، ولا وجد رعيّةً سعيدة كما كان يُخبره سالم. رأى الأطفالَ ببطونٍ خاوية، والمزارعين يشكون العطشَ، والتجّار يئنّون من الظلم والضرائبِ الجائرة.
وحين عاد الملكُ إلى قصره، استدعى سالمًا وقال له:
“لقد ذهبتُ إلى الرعيّةِ بنفسي، ورأيتُ ما لم تُخبرني به. أفكنتَ تكذب؟”
ارتجف سالمٌ واعترف بخطيئتِه.
فقال الملك له:
“أسوأُ الكذباتِ ليست تلك التي تُقال للملوك، بل التي تُسرَقُ بها حقوقُ الناس.”
فأمر الملك بعزله، وعيّن بدلًا منه مجموعةً من الرجال والنساء المعروفين بالأمانة، وأوصاهم بأن يأتوه بالحقيقةِ مهما كانت مُرّة.
ومنذُ ذلك اليوم، صارت المملكةُ أكثرَ عدلًا، وصار الملكُ يُردّد حكمةً لا تُنسى:
“مَن يكذب في نقلِ أحوالِ الرعيّة، فهو يخونُ الملكَ والناسَ معًا.”
والعبرة فيما حدث أنَّ المؤتمن على نقل أحوال الرعيّة لم يكن ملتزمًا بأمانته كما ينبغي، واختار أحيانًا أن يكرر كلامه دون مراعاة الحقيقة. وهذا يُظهر أهمية أن تكون مرآة الشعب صادقة وشفافة، ليصلَ صوت الناس إلى المسؤولين على نحوٍ صحيح، ويستطيع صاحب القرار أن يطلع على الواقع بكل وضوح، كونه أخًا أكبر ووالدًا للجميع يهتم بمصلحة الجميع.
والأمينُ هو ذلك الوزيرُ الذي يكونُ عينًا للحاكم، يرى الفقرَ ليُزيلَ أسبابه، ويرى الظلمَ ليَرفعه، فيستقيمَ ميزانُ العدل.
ولكي يتحقق العدل ويُستجاب لحاجات الناس فعليًا، يجب أن تكون المعلومات التي تصل إلى صاحب القرار حقيقية وموثوقة، لا مُغَيَّرة أو مختلقة، بحيث تُبنى القرارات والإجراءات على أسسٍ واقعية تعزز المصلحة العامة.
وتحمل قصتنا اليوم عبرةً لكل مسؤولٍ ومواطن:
“نحن بخيرٍ ما دام العدلُ حاضرًا بيننا، وسيّدُ البلاد هو السندُ الأكبر في ترسيخ قيم العدل والإنصاف، بعيدًا عن كل مَن يُضلّ الطريق أو يقصر في حمل الأمانة.”
واليوم، تأتي زيارات جلالة الملك حفظه الله ورعاه وولي العهد الأمين لجميع مناطق المملكة، وقد كانت أقرب هذه الزيارات زيارة ولي العهد حماه الله لمحافظة الطفيلة كامتداد حيّ لهذه القيم، حيث يحرصان على لقاء الأهالي، والاستماع إلى حاجاتهم، والاطمئنان إلى الأوضاع المعيشية والخدمية، ليشعر كل مواطن بأن قيادته قريبة، وأن رفاهية الوطن تتحقق بالعدل والعمل الدؤوب من الجميع.
وتحتاج الطفيلة إلى الكثير من الخطط التنموية الشاملة، ويجب على الجميع أن يسعى لتحقيقها بما يخدم الأهالي وينمي المحافظة على نحو مستدام. كما أن مصداقية المعلومات التي تصل إلى صانعي القرار تُعدّ ركيزة أساسية لضمان اتخاذ القرارات الصحيحة، وتحقيق التنمية الحقيقية.
وتبقى الطفيلة دومًا وفيةً لقيادتها، مؤمنةً بالولاء الكامل لجلالة الملك وولي العهد الأمين، شاهدةً على الوفاء والانتماء للوطن، وعلى الرعاية المستمرة من القيادة الحكيمة.

