بديل اللحوم .. تعديل فطر غذائي ليصبح ألذ طعماً وأكثر بروتيناً

8 د للقراءة
8 د للقراءة
بديل اللحوم .. تعديل فطر غذائي ليصبح ألذ طعماً وأكثر بروتيناً

صراحة نيوز-نجح فريق صيني في تعديل فطر غذائي وراثياً باستخدام تقنية كريسبر ليصبح أكثر غنى بالبروتين وأقرب للحوم، مع تقليل تأثيره البيئي بنسبة 61% دون إضافة جينات أجنبية. الفطر المعدل FCPD يستهلك موارد أقل وينتج بروتيناً أسرع، مما يعزز الأمن الغذائي المستدام ويقلل الأثر البيئي للزراعة الحيوانية.

 

نجح فريق علماء في تعديل فطر غذائي وراثياً ليصبح أكثر غنى بالبروتين وأقرب في المذاق والملمس إلى اللحوم، مع خفض تأثيره البيئي بنسبة تصل إلى 61% مقارنة بطرق الإنتاج التقليدية، دون إضافة أي حمض نووي غريب إلى جيناته.

واعتمد التعديل الوراثي على تقنية “كريسبر” بهدف تحسين كفاءة الإنتاج وتقليل استهلاك الموارد مع الحفاظ على الطابع الطبيعي للفطر.

وتقنية كريسبر (CRISPR) هي تقنية لتعديل الجينات تسمح بتغيير الحمض النووي (DNA) بدقة وسرعة عالية، تعتمد التقنية على نظام مناعي طبيعي في البكتيريا، وتستخدم إنزيمًا (يُعرف غالبًا باسم Cas9) ومُرشدًا RNA لتحديد وقطع أجزاء معينة من الحمض النووي، وتُستخدم التقنية لتعديل الجينات وإصلاحها، ولها تطبيقات واعدة في علاج الأمراض الوراثية.

وأفادت الدراسة التي نشرتها مجلة Trends in Biotechnology بأن الفطر المعدل يتمتع بقدرة على الهضم تفوق نظيره الموجود في الطبيعة، الأمر الذي يجعل منه مرشحاً قوياً ليصبح مصدراً غذائياً مستداماً يواكب الطلب العالمي المتزايد على بدائل اللحوم.

أشارت الدراسة إلى أن الطلب على بروتينات غذائية أكثر استدامة يتزايد عاماً بعد عام، موضحة أن الزراعة الحيوانية تتحمل مسؤولية نحو 14% من الانبعاثات العالمية للغازات الدفيئة، وأن تربية المواشي لا تستهلك مساحات واسعة من الأراضي فحسب، بل تتطلب أيضاً كميات ضخمة من المياه العذبة التي أصبحت مورداً مهدداً بسبب تغير المناخ والتوسع البشري.

وكشفت الدراسة أن البروتينات الميكروبية، مثل تلك الموجودة في الخمائر والفطريات، برزت خلال السنوات الأخيرة كبديل غذائي مستدام مقارنة باللحوم التقليدية، وقد حظيت باهتمام متزايد من الأوساط العلمية والصناعية بسبب قدرتها على توفير بروتين عالي الجودة دون الأثر البيئي المرتبط بالزراعة الحيوانية.

أوضحت الدراسة أن الفطر المعروف باسم “فيوزاريوم ڤينيناتوم” احتل مكانة مميزة بين الخيارات المتاحة لإنتاج البروتين الفطري، نظراً لملمسه وطعمه القريبين من مذاق اللحوم، وقابليته للاستهلاك البشري في دول عدة، منها بريطانيا، والصين، والولايات المتحدة.

ويشكل هذا الفطر قاعدة أساسية في صناعة “الميكو بروتين” الذي انتشر كمكون غذائي خلال العقدين الماضيين، في العديد من المنتجات البديلة للحوم، لكن رغم هذه المزايا، فإن السمك الكبير لجدران خلايا الفطر في شكله الطبيعي يجعل هضمه صعباً، ويحول دون استفادة كاملة من البروتين الموجود داخله.

وأكدت الدراسة أن إنتاج هذا الفطر يتطلب موارد كبيرة بسبب طبيعة عملية إنتاج البروتين الفطري على نطاق صناعي، موضحة أن الجراثيم الفطرية تربى داخل خزانات معدنية عملاقة تحتوي على مزيج غذائي يعتمد على السكر وأملاح كبريتات الأمونيوم وغيرها من المغذيات، وأن هذه العملية تحتاج إلى مدخلات كبيرة من الطاقة والمواد الخام لإنتاج كميات محدودة من البروتين، ما يجعلها أقل استدامة مقارنة بما كان يعتقد سابقاً.

ولفتت الدراسة إلى أن هذه التحديات مثلت دافعاً رئيسياً للبحث عن حلول بيولوجية تقلل من استهلاك الموارد وترفع مستوى القيمة الغذائية.

نجح فريق البحث بقيادة شياو ليو من جامعة جيانجنان في الصين، في تعديل الفطر وراثياً باستخدام تقنية “كريسبر” لإكسابه قابلية أعلى للهضم وكفاءة إنتاجية أعلى، دون إدخال أي جينات أجنبية إلى حمضه النووي، وهي نقطة اعتبرها الفريق حاسمة في تقليل المخاوف المجتمعية المتعلقة بالمواد المعدلة وراثياً.

واستندت الاستراتيجية إلى تعطيل جينين أساسيين هما الجين المسؤول عن تصنيع الكيتين، والمادة التي تمنح جدار الخلية صلابته، والجين المسؤول عن تصنيع إنزيم “بايروفيت ديكاربوكسيلاز” المرتبط بعملية الأيض.

أدت إزالة الجين المسؤول عن إنزيم “الكيتين سينثاز” إلى جعل الجدار الخلوي للفطر أكثر رقة، ما سمح للبروتين الموجود داخل الخلايا بأن يصبح أكثر قابلية للهضم، وساهم تعطيل الجين المسؤول عن الأيض في تحسين توازن عمليات الأيض داخل الفطر بحيث يتم إنتاج البروتين نفسه باستخدام كمية أقل من العناصر الغذائية.

وأسفر الجمع بين هذين التعديلين عن تطوير سلالة فطرية جديدة أطلق عليها الباحثون اسم FCPD، تمثل خطوة تطورية مهمة في مجال الغذاء المستدام.

أظهرت الاختبارات أن السلالة الجديدة FCPD تمكنت من إنتاج الكمية نفسها من البروتين باستخدام 44% فقط من كمية السكر التي تحتاجها السلالة الطبيعية، وأنها حققت معدل إنتاج أسرع بنسبة 88%، ما يعني أن تكلفة الطاقة والموارد اللازمة لإنتاج البروتين الفطري انخفضت بصورة ملحوظة.

واعتبر الباحثون أن هذه التحسينات تمثل تحولاً جذرياً في كفاءة الإنتاج، وأنها تتجاوز التقدم الذي حققته سابقا التقنيات المستخدمة لإنتاج بدائل البروتين التقليدية.

اختبر الباحثون أداء السلالة الجديدة في 6 دول ذات بنى طاقية مختلفة، بينها دول ذات اعتماد كبير على الطاقة المتجددة مثل فنلندا، وأخرى تعتمد بشكل كبير على الطاقة المستخرجة من الفحم مثل الصين، بهدف تقدير ما إذا كانت الفوائد البيئية للسلالة الجديدة ثابتة عبر أنظمة الطاقة المتنوعة.

وأظهرت النتائج أن FCPD حافظت على بصمة بيئية أقل من السلالة التقليدية في جميع الحالات، ما يشير إلى أن الفوائد البيئية للسلالة المعدلة لا تعتمد على نوع مصادر الطاقة المستخدمة أثناء الإنتاج.

تابع أحدث الدراسات والاكتشافات العلمية، إذ إن اتباع النظام الغذائي النباتي يحمل العديد من الفوائد، بما في ذلك تحسين صحة القلب والحد من الأمراض المزمنة.

قال قائد فريق الدراسة، شياوهوي وو، إن المجتمع العلمي ركز خلال السنوات الماضية على قيمة “الميكو بروتين” بوصفه بديل مستدام للحوم، لكنه لم يعط اهتماماً كافياً لخفض التأثير البيئي لعملية الإنتاج نفسها.

وأوضح أن الدراسة الجديدة تمثل أول محاولة جادة لتقييم دورة حياة البروتين الفطري وتحديد نقاط التدخل التي تقلل الهدر وتخفض الضرر البيئي عبر الابتكار الجيني الحيوي بدلاً من الاعتماد على تحسين عمليات التصنيع فقط.

وقال الباحث الرئيسي شياو ليو، إن الأطعمة المعدلة جينياً يمكن أن تلعب دوراً حاسماً في تلبية احتياجات الأمن الغذائي العالمي دون التسبب في الأعباء البيئية الملازمة للزراعة التقليدية، مشدداً على أن التقنية الجديدة تقدم نموذجاً تطبيقياً لجعل الأغذية المستدامة أكثر جاذبية وفعالية وقيمة تغذوية.

وأشار إلى أن القدرة على تحسين الغذاء داخل المعمل عبر أدوات علم الجينوم دون إدخال جينات خارجية ربما تساهم في تعزيز قبول المجتمع لهذا النوع من التقنيات.

التعديل الوراثي
رجحت الدراسة أن التعديل الوراثي غير المتضمن لإضافة حمض نووي أجنبي ربما يساهم في تسهيل توافق هذا الطعام مع الأطر التنظيمية الصارمة في العديد من الدول، ويمهد الطريق لاعتماد واسع النطاق في الأسواق العالمية، خاصة وسط الاهتمام المتزايد بتقليل الضغط المناخي وتحسين القدرة المستقبلية للأمن الغذائي العالمي.

واعتبرت أن استمرار تطوير البروتينات الميكروبية المعدلة وراثياً يمثل خطوة أساسية نحو مستقبل غذائي منخفض التأثير البيئي وعالي القيمة الصحية.

وأكدت الدراسة أن بروتين FCPD المعدل وراثياً يمثل نقطة تحول في مسار إنتاج الأغذية البديلة، ويقدم نموذجاً واعياً للدمج بين التكنولوجيا الحيوية والتغذية المستدامة دون التضحية بالجودة أو المذاق أو القيمة الغذائية.

وتوقع الباحثون أن تمهد هذه النتيجة الطريق لمزيد من الأبحاث التي تهدف إلى تحسين إنتاج الأغذية باستخدام التعديل الجيني المسؤول، بما يتماشى مع الطلب العالمي على حلول غذائية أكثر استدامة وأقل تأثيراً على المناخ.

Share This Article