صراحة نيوز- ابراهيم السقرات
استُشهد دولة وصفي التل رحمه الله تعالى في ٢٨ تشرين الثاني/ نوفمبر عام ١٩٧١ ، بعد أن اغتيل غدرًا في القاهرة أثناء توجهه لحضور اجتماع مجلس الدفاع العربي المشترك .
ومضى على رحيله ٥٤ عامًا ، وما يزال حاضرًا في وجدان الأردنيين — الذين عاصروه والذين لم يعاصروه — جيلاً بعد جيل ، بما تركه من إرثٍ وطنيٍّ نقيٍّ ومواقف ثابتة لا تُنسى .
في ذكرى استشهاد وصفي التل ، نقف أمام رجلٍ لم يكن مجرّد رئيس وزراء ، ولا مجرّد ضابطٍ في جيشٍ عربيّ ، ولا اسماً عابرًا في دفاتر السياسة .
نقف أمام مدرسة كاملة من الرجولة الصافية ، والولاء النقي ، والصلابة التي لا تُشترى ولا تُكسَر .
وصفي التل … لم يكنْ مسؤولًا عابرًا ، ولا زعيمًا يُجيدُ خُطَبَ المنابر ، بل كانَ رجلًا إذا قالَ فعل ، وإذا وعدَ أوفى ، وإذا وقفَ أربكَ خصومَه لأنهم يعرفونَ أن هذا الرجلَ لا يُهادنُ على الوطن … ولا يساومُ على شبرٍ من كرامتِه .
لقد اغتالوا وصفي … لأنهم لم يستطيعوا اغتيالَ مبادئه ، ولا كسرَ عنادِه ، ولا إطفاءَ نورِ إيمانه بأن الأردن أكبرُ من أيِّ ضغط ، وأقوى من أيِّ تهديد ، وأطهرُ من أن يُلوَّثَ بالأيدي المرتعشة .
اغتالوه … لأنهم أدركوا أن هذا الرجلَ يحملُ مشروعَ دولةٍ لا تُدارُ من خلفِ الأبواب المغلقة ، ولا تُباعُ في صفقاتٍ مشبوهة ، ولا تركعُ إلا لله .
في ذكرى استشهادِه … نسألُ أنفسَنا قبل أن نسألَ التاريخ :
هل بقينا كما أراد ؟
هل ما زالت ” وقفةُ الأردني ” كما أرادها ؟
هل ما زال في صدورِنا شيءٌ من صلابته ، من نقائه ، من رجولته التي كانت تمشي على الأرضِ بثباتٍ يربكُ العاصفة ؟
وصفي التل … لم يكنْ رمزًا للبكاءِ أو الحنين ، بل كانَ رايةً للثبات ، ومعنىً من معاني الشرف الوطني ، ورجلًا إذا مرَّ اسمُه … وقفَ الناسُ بلا استئذان .
لم يمت وصفي …
ماتت أجسادُ الرجال ، وبقيت مدارسُهم ، وبقيت قيمُهم ، وبقيَ اسمُه يُقالُ كلما ضاقت الدروب ، وكلما تاهت البوصلة ، وكلما تساءل الأردنيون :
أينَ همُ الرجال ؟
فنقولُ لهم :
كانَ فيهم رجلٌ اسمه وصفي … ولا يتكرّر .
رحمَ الله وصفي التل …
شهيدًا …
ورمزًا …
رجلًا إذا ذُكر اسمه ” تستعدّ الأرض للوقوف” .
وصوتًا لا يزالُ يجلجلُ في أرضِ الأردن :
أنْ كونوا كما أراد هذا الوطنُ لكم أن تكونوا .
ابراهيم السقرات

