صراحة نيوز – كتب عدي أبو مرخية
تتصاعد في الآونة الأخيرة الشكاوى حول التقاعدات المُبكرة في بعض مؤسسات الدولة، وكان أبرزها ما شهدته أمانة عمّان الكبرى من إحالات مفاجئة على التقاعد دون سابق إنذار، على خلاف ما اعتاد عليه الموظفون لسنوات طويلة، حيث كان القرار بيد الموظف نفسه؛ إمّا يختار المغادرة بإرادته أو يبقى حتى آخر سنوات الخدمة ليضمن معاشًا تقاعديًا يليق بما تحمّله طوال مسيرته.
أحد موظفي الأمانة روى لي تجربة قاسية لا تخطئها الأذن. قال لي:
“كنت ناوي أتقاعد بعد ما تخلص بنتي جامعة… عشان راتبي يضل زي ما هو. بس اليوم صرت بربع راتب. لا قادر أخليها تكمل، ولا قادر أصرف على البيت. ورجل بعمري وين أروح أشتغل؟”
القصة ليست حالة فردية؛ هي مرآة لوجع جيل كامل وجد نفسه فجأة أمام واقع مالي غير قابل للحياة، خصوصًا أن الراتب التقاعدي – في أغلب الأحيان – لا يتجاوز جزءًا بسيطًا مما كان يتقاضاه الموظف.
من جهة أخرى، تؤكد بعض الجهات الرسمية أن هذه الإحالات تأتي ضمن رؤية لتجديد الدماء وفتح المجال أمام الشباب حديثي التخرج، لإدخال طاقة جديدة وخبرات مختلفة إلى مؤسسات الدولة. وهي رؤية يُمكن وصفها بأنها تطوّرية وتتماشى مع متطلبات التحديث، إذا ما أُديرت بالشكل الصحيح، وبآليات تراعي العدالة والبعد الإنساني.
لكن هنا يظهر السؤال الذي ينقسم حوله الناس:
هل التقاعد المفاجئ رغم قانونيته… عادل؟
وهل يمكن للتطوير أن يتحقق على حساب جيل أفنى عمره في الخدمة، دون ضمانات كافية للعيش الكريم؟
اعتدتُ في مقالاتي أن أقدّم حلولًا وتوصيات، لكن هذه المرّة لم أستطع إيجاد إجابة قاطعة.
الوجع الإنساني واضح، ورؤية التحديث واضحة أيضًا. وبين هذين الخطين يبقى فراغ كبير يحتاج إلى سياسة حكيمة، تُوازن بين القانون و الرحمة، وبين فرص الشباب و حقوق من خدموا الوطن طيلة عقود.
السؤال نضعه أمام المسؤولين:
كيف نُحدث تطويرًا حقيقيًا دون أن نكسر ظهر جيلٍ أفنى عمره في خدمة الدولة؟

