السفير الأمريكي… ومرآة عجزنا الداخلي

3 د للقراءة
3 د للقراءة
السفير الأمريكي… ومرآة عجزنا الداخلي

صراحة نيوز- بقلم ماجد أبورمان

هناك ضجّة تدور حول جولات السفير الأمريكي… ضجّة تكاد تقول أكثر مما تقصده. ضحكت وأنا أسمع البعض يختنق بالاستنكار، كأن السفير جاء ليهزّ سيادة دولةٍ تترنح أصلًا تحت ثقل غياب مسؤول يسمع، أو وزيرٍ يفهم، أو نائبٍ يجرؤ على النظر للناس بلا وسيط.

السفراء حول العالم يقومون بجولات ميدانية؛
لكن وحده السفير الأمريكي في الأردن يتحول إلى فيلم سياسي كلما خرج للشارع.
لماذا؟
لأننا نعيش حالة انفصام وطني فاضح:
نستنكر خطواته في العلن…
ونتزاحم على أبواب سفارته في السرّ طلبًا لفيزا أو لجوء أو منحة أو “فرصة حياة”. أو حتى لموعد اولقبول دعوه
نرفع شعار الوطنية… ثم نرسل أبناءنا ليلعقوا أبواب السفارة نفسها التي نشتمها .
نصرخ ضد أمريكا… ثم ننتشي بالدعم السنوي الذي يصلنا منها كَمَنْ يكره راتبه لكنه لا يستطيع تركه.
نستنكر “وجوده بين الناس”، بينما يرتمي آلاف من نخبنا وزراء سابقون، محللون، ناشطات “تحرّر”، وإعلاميون على أبواب تلك السفارة بحثًا عن تمويلٍ، أو منصبٍ، أو فتات أجندة.
الحقيقة المؤلمة؟
السفير الأمريكي لم يفعل شيئًا استثنائيًا…
الاستثنائي هو عجز مسؤولينا عن فعل ما فعله.
الرجل فهم ما لم يفهمه وزراء يمشون في سيارات مصفّحة ولا يجرؤون على السير مترًا واحدًا بين الناس.
فهم ما لم يفهمه نوابٌ يهرولون إلى المكاتب الحكومية كما تهرول الفئران إلى جحرٍ مظلم عند أول ارتباك.
فهم أن الشارع الأردني لا يريد معجزات…
بل يريد مسؤولًا يراه، يسمعه، يقف أمامه بلا سكرتير يصنع هيبته، ولا مدير مكتب يعوّض نقصه.
مشكلتنا ليست في زيارة السفير…
مشكلتنا في أن زيارته تبدو “بطولية” مقارنةً بجبن المسؤول المحلي.
مشكلتنا أننا نحتاج أجنبيًا ليذكّر مسؤولينا أن الشارع ليس خطرًا… بل أصل الدولة.
ولذلك، بدلاً من التساؤل لماذا ينزل السفير إلى الشارع،
يجب أن نسأل سؤالًا أبسط وأكثر وجعًا:
لماذا لا يجرؤ مسؤولونا على نزول الشارع إلا في نشرات الأخبار؟
بينما السفير يمشي…هم يهرولون للاختباء وبينما هو يستمع
…وبينما هو يلتقي الناس بلا بروتوكول هم يحضرون البيانات الجاهزه …
هم يختبئون خلف موظفين يملكون عقد نقص أكبر من كفاءاتهم.
السفير الأمريكي لم يُعرّي مسؤولينا بشيء جديد…
لقد كشف فقط حجم الغربة بين المسؤول والشارع
وهذا—للأسف—ليس شأنًا دبلوماسيًا…
هذا مرضٌ محليّ لا دواء له إلا الاعتراف والجرأة والسير على قدمين،
لا على هواتف محمولة تلتقط صورًا مُفبركة “للاقتراب من الناس”.
السؤال الحقيقي اليوم ليس:
“لماذا يتجول السفير؟”
بل:
لماذا فقد المسؤول الأردني القدرة على التجول أصلاً؟

Share This Article