هبة نيسان.. لماذا الآن؟

4 د للقراءة
4 د للقراءة
هبة نيسان.. لماذا الآن؟

صراحة نيوز – بقلم / ماجد القرعان

استوقفني في خطابات النواب أثناء مناقشتهم الموازنة العامة لحكومة الدكتور جعفر حسان ما قاله النائب جمال قموة، الذي أشار إلى الحكومة في كلمته حول هبة نيسان، التي شهدتها المملكة في شهر نيسان عام 1989، والتي انطلقت من معان بالطفيلة، ثم امتدت إلى غالبية مناطق المملكة وكادت أن تأكل الأخضر واليابس. وكان رئيس الحكومة آنذاك زيد الرفاعي، لولا حكمة الملك الراحل الحسين بن طلال، الذي بادر إلى سرعة إطفاء نيرانها بإقالة الرفاعي وتكليف المرحوم بإذن الله الأمير الشريف زيد بن شاكر لاحقًا بتشكيل حكومة جديدة.

بتقديري، فإن إشارة النائب قموة إلى تلك الأحداث، التي كادت أن تعصف بالبلاد لولا حكمة الملك الراحل، نابعة من موقف وطني صادق، في ضوء تراكمات إدارة شؤون الدولة من قبل الحكومات المتعاقبة، والتي أوصلتنا إلى الواقع الصعب الذي نعيشه اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً.

خطابات النواب الشعبوية في غالبيتها، إذ لم تتضمن أفكارًا ومقترحات عملية وموضوعية للخروج من أزماتنا، حملت صرخات تعكس الواقع الذي نعيشه، والهدف منها كان غالبًا إرضاء الشارع، والدليل القاطع هو موافقة غالبية أصحاب الصرخات على إقرار الموازنة.

من المستحيل تغطية الشمس بغربال، وهو كذلك ما نعيشه منذ عدة سنوات، حيث إدارة شؤون الدولة بالفزعات، وتشكيل الحكومات دون نهج واضح يضع الشخص المناسب في المكان المناسب، إضافة إلى انعدام العدالة بصورة فاضحة، سواء في تنفيذ المشاريع التنموية المستدامة (محافظات الجنوب خير مثال)، أو في تبوؤ المناصب الرفيعة التي تتم دون أسس ومعايير واضحة، بالإضافة إلى إعادة تعيين العديد من كبار المسؤولين المتقاعدين برواتب جديدة في مناصب رفيعة، رؤساء وأعضاء مجالس إدارة ومدراء هيئات مستقلة، وكأن الدولة الأردنية باتت عاجزة عن إنتاج المؤهلين وأصحاب الكفاءات.

ووصل الأمر إلى محاولات إسكات الناس عن التعبير عن آرائهم وأفكارهم التي يكفلها لهم الدستور، والأكثر معاناة هنا أصحاب الأقلام الحرة من الصحفيين الذين يسلطون الضوء على مواطن الخلل، ومن يتغولون على موارد الدولة وتجاوزات المسؤولين، خصوصًا أولئك الذين يعتبرون مناصبهم مزارعًا تورثوها، حيث يُحركون القضايا ضد الآخرين بذريعة الحق العام.

والحديث طويل حول المنغصات التي نعيشها، والتي سببها تعيين مسؤولين غير أكفاء، وأحزاب شكلية فارغة المضمون والأهداف، وبرلمان لا يسمن من جوع، واستغلال فئة مأجورة من الاستعراضيين على القنوات الفضائية لقلب الحقائق وطمسها. لكن الأهم هنا الإشارة إلى مصيبة أكبر، وهي تجاهل صانعي القرارات وراسمي السياسات لتوجيهات جلالة الملك والمبادرات الخلاقة لولي العهد في كافة الشؤون العامة، التي تتماشى مع تطلعات المواطنين، وأقرب مثال على ذلك الأوراق النقاشية لجلالة الملك عام 2017، الغنية بالأفكار والمقترحات البناءة، التي لم يُظهر الحكومات المتعاقبة أدنى اهتمام بها بعد إطلاقها.

الأردن بوجه عام قصة نجاح كبيرة، وحق الأبناء والأجيال القادمة علينا أن نزيل من طريقهم المنغصات، لنبدأ مسيرة إصلاح تقوم على أسس وثوابت صلبة. ومثل ذلك لن يتحقق دون وضع الشخص المناسب في المكان المناسب بناءً على سيرته الوطنية وكفاءته، وأن نحرص على اختيار من يمثلنا في البرلمان بما يعكس طموحات الشعب، حيث تعد السلطة التشريعية عمود الارتكاز الأول والأساس في بناء الدولة.

نحمد الله عز وجل على نعمة الأمن والاستقرار التي نعيشها بفضل المسؤوليات التي يتحملها جيشنا المصطفوي وكافة أجهزتنا الأمنية، ونسأل الله أن يحفظ وطننا من كل سوء، وأن يعين جلالة الملك وولي عهده الأمين، لتمضي المسيرة قدماً كما يأمل كل الشرفاء.

Share This Article