الخسارة ليست فضيلة وطنية

3 د للقراءة
3 د للقراءة
الخسارة ليست فضيلة وطنية

صراحة نيوز-بقلم: جهاد مساعده

قال أحدهم إنه يشجّع منتخبًا آخر أمام منتخب الأردن، وإن فوز ذلك المنتخب يُعدّ فوزًا لوطننا، وإن خسارة منتخبنا – إن وقعت – فهي أيضًا فوز، من باب المحبة والجوار والنسب لتلك الدولة، ومن باب “سداد الدَّين” والامتنان لها.
هنا لا بدّ من التوقف، لا عند النوايا، بل عند المعنى؛ لأن أخطر ما يُصيب الأوطان ليس الخسارة، بل اللغة التي تُبرّرها وتمنحها غطاءً أخلاقيًا.
فالمحبة لا تعني أن تشجّع منتخبًا آخر ضد منتخب وطنك، والجوار لا يطلب منك أن تتمنى خسارتك، كما أن النسب لا يُلزمك أن تُلغي هويتك ثم تُسمّي ذلك رقيًا. فالمحبة التي تبدأ بإلغاء الذات لا تنتهي إلا بتبرير الهزيمة.
أما حديث “الدَّين”، فهو أخطر ما في هذا الطرح؛ لأن الأوطان لا تُدار بمنطق الدائن والمدين، ولا تُربّى الشعوب على تقديم الهزيمة بوصفها سلوكًا أخلاقيًا أو موقفًا محمودًا.
فالوطن لا يسدّد ديونه بالخسارات، ولا يعبّر عن شكره بتمنّي السقوط، ولا يحفظ علاقاته على حساب كرامته. فالعلاقات المتينة لا تحتاج إلى إذلال الذات كي تستمر، ولا تُبنى على تنازلٍ عن أبسط معاني الانتماء.
الشكر يُقال بوضوح، والاحترام يُمارَس بثبات، لكن الولاء لا يُقايَض. ولذلك، فإن تشجيع منتخبٍ آخر ضد منتخب وطنك ليس من الحكمة، بل تخلٍّ صريح عن جوهر الانتماء في لحظة يُفترض أن يكون فيها الموقف واضحًا.
فالمنتخب الوطني ليس ساحةً للمجاملات، بل هو لحظة صدق. وفي لحظات الصدق لا تُرفع إلا راية الوطن، ولا يُنتظر من المواطن إلا أن يقف خلف اسمه دون تردّد.
أما أن تُسمّى خسارة المنتخب فوزًا، فذلك عبث في اللغة، وتزييف للمعنى، وتدريب مبكر على قبول الهزيمة باسم الأخلاق. والأخطر من الهزيمة نفسها أن نُعلّم أبناءنا كيف يتعايشون معها وكأنها قدرٌ جميل أو موقف نبيل.
يمكنك أن تحبّ الآخرين، وتحترمهم، وتُقدّر مواقفهم، دون أن تشجّع ضد منتخبك، ودون أن تحوّل الوطن إلى “دَين” يجب سداده عند كل اختبار.
فحين تبدأ المباراة، لا يُطرح سؤال المحبة، بل سؤال واحد فقط:
هل تقف مع وطنك؟
أم تدعو إلى الخسارة كي تحوّلها إلى فضيلة؟
فالأوطان لا تسقط حين تخسر، بل يسقط من يهرف بما لا يعرف، ويخلط القول بلا وعي ولا مسؤولية.

Share This Article