الكلاب الضالة: لماذا أصبح القتل الرحيم خيارًا مسؤولًا لا بدّ منه؟

4 د للقراءة
4 د للقراءة
الكلاب الضالة: لماذا أصبح القتل الرحيم خيارًا مسؤولًا لا بدّ منه؟

صراحة نيوز-كتب أ.د. محمد الفرجات

لم تعد قضية الكلاب الضالة في الأردن مسألة هامشية أو قابلة للتأجيل، بل تحوّلت إلى مشكلة صحية وأمنية وبيئية مركّبة، تهدد سلامة المواطنين، وتستنزف الموارد العامة، وتكشف عن فشل واضح في إدارة ملف تراكم عبر سنوات من الإهمال والتردد.

إن أي نقاش جاد ومسؤول حول هذه الظاهرة يجب أن يكون قائمًا على الحقائق لا العواطف، وعلى حماية الإنسان أولًا، مع الالتزام بأطر أخلاقية وقانونية واضحة في التعامل مع الحيوان.

أولًا: حقيقة بيئية لا بد من قولها بوضوح، فالكلاب الضالة في المدن والقرى الأردنية لا تمثل قيمة بيئية حقيقية، للأسباب التالية:

هي نتاج تكاثر صناعي بشري مرتبط مباشرة بـ:
النفايات العشوائية والمكبات المكشوفة

إطعام غير منظم داخل الأحياء

التخلي غير القانوني عن الكلاب المنزلية

لا تعيش ضمن موائل طبيعية، ولا تشارك في توازن بيئي طبيعي كما هو الحال مع الحيوانات البرية.

وجودها الكثيف في البيئات الحضرية يخلّ بالتوازن البيئي بدل أن يخدمه، ويؤدي إلى:

افتراس الحياة البرية الصغيرة
نشر الأمراض

إرباك السلوك الحيواني الطبيعي
بالتالي، فإن توصيفها كـ“كائنات بيئية محمية” هو توصيف غير علمي في السياق الحضري الأردني.

ثانيًا: الخطر لم يعد نظريًا،
فالأرقام وحوادث الواقع تشير بوضوح إلى أن الكلاب الضالة:

تسببت بآلاف حالات العقر، كثير منها لأطفال

فرضت أعباء مالية على القطاع الصحي (علاجات، لقاحات، متابعة)

أوجدت حالة خوف دائم في الأحياء، قرب المدارس، والحدائق العامة

تحوّلت إلى مجموعات عدوانية بسبب الجوع، الأمراض، والتنافس
والأهم:
البلديات مسؤولة عن حماية السكان داخل المدن والقرى ضمن إختصاصها، لا تعريضه للخطر بحجة حلول لم تثبت فعاليتها.

ثالثًا: لماذا فشلت الحلول الحالية؟
برامج التعقيم وإعادة الإطلاق، رغم نواياها الحسنة، فشلت عمليًا في الأردن بسبب:

الحجم الهائل للأعداد مقارنة بالإمكانات

بطء التنفيذ مقابل سرعة التكاثر
إعادة إطلاق الكلاب إلى نفس البيئة الخطرة

استمرار توفر الغذاء من النفايات
غياب التشريع الصارم والرقابة
والنتيجة:
نُعقّم اليوم، ونواجه أعدادًا أكبر غدًا.

رابعًا: القتل الرحيم… لماذا هو خيار أخلاقي ومسؤول؟

القتل الرحيم (Humane Euthanasia) ليس قتلًا عشوائيًا ولا انتقامًا من الحيوان، بل هو:
إجراء معترف به عالميًا في إدارة تجمعات الحيوانات غير القابلة للسيطرة، ويُنفَّذ:

تحت إشراف بيطري

بوسائل غير مؤلمة

وفق بروتوكولات صحية واضحة
يُستخدم عندما:
تشكل الحيوانات خطرًا مباشرًا

تكون مصابة أو عدوانية

يستحيل استيعابها في ملاجئ
تفشل كل الحلول الأخرى

من منظور أخلاقي:
ترك الكلاب تموت جوعًا، أو دهسًا، أو تسميمًا عشوائيًا في الشوارع أكثر قسوة ولا إنسانية من القتل الرحيم المنظم.

القتل الرحيم يمنع معاناة طويلة ويوقف سلسلة تكاثر ومعاناة لا تنتهي.

خامسًا: ما المطلوب؟ خارطة طريق واقعية
1. الاعتراف الرسمي بأن:
الكلاب الضالة الحضرية ليست مكوّنًا بيئيًا محميًا

السلامة العامة أولوية وطنية

2. اعتماد القتل الرحيم كخيار قانوني:
للحالات الخطرة

للأعداد غير القابلة للاستيعاب
ضمن إطار شفاف وخاضع للرقابة

3. بالتوازي مع:
ضبط صارم للنفايات
تجريم الإطعام العشوائي في الأحياء

تسجيل إلزامي للحيوانات الأليفة

عقوبات على التخلي عن الكلاب

ملاجئ محدودة للكلاب القابلة للتبني فقط

الجدل العاطفي حول الكلاب الضالة لن يحمي طفلًا، ولن يمنع عقرًا، ولن يعالج أزمة، وما يحمي المجتمع هو قرار شجاع، علمي، أخلاقي، وقانوني.

القتل الرحيم، عندما يُمارس بضوابط صارمة، ليس فشلًا أخلاقيًا،ب بل اعتراف بالواقع، وإنهاء لمعاناة مزدوجة:

معاناة الإنسان

ومعاناة الحيوان نفسه

حماية الإنسان أولًا… مع إنسانية حقيقية، لا شعارات.

Share This Article