صراحة نيوز- د.عبد الفتاح طوقان
عندما كنت طفلاً في مدرسة جيرار للراهبات المسيحية، ثم طالبًا في كلية فيكتوريا بالإسكندرية، نشأت مع مجموعة من المعتقدات الدينية القوية كمسلم يحترم ويقدس كل الديانات حيث كان ولا زال إيماني بالله وبكافة الرسل والأنبياء راسخًا، وخصوصًا محبتي وإيماني بالحضور الحقيقي للمسيح عليه السلام راعى المحبة والإخاء والسلام.
لقد تعلمت في تلك السنوات عن فعالية الأسرار المقدسة واحتمال الجنة والنار واللعنة الأبدية، وأهمية المسيح المطهر للنفوس من شر الدنيا وأفعالها السيئة.
خلال فترة دراستي، حضرت دروسًا دينية اختيارية كانت تقام كل ثلاثاء في غرفة خاصة بالطابق الأرضي بمبنى المدرسة العريقة عن اليهودية والمسيحية والإسلام، وقد علمتنا اياها السيدة ماري تشارلز حمدي وكانت لكل الأديان الرئيسية الثلاثة. كانت سيده رائعه تدرس الديانات الثلاث بالأضافة إلي اللغة الفرنسية و كان بالمدرسة خليطا من اليهود و المسلمين و المسيحيين .
واقصد كنت سعيدًا جدا بالتعلم والجلوس بين زملائي المسيحيين واليهود، وفي تزيين شجرة عيد الميلاد في الكريسمس ووضع الهدايا وحلم استقبال بابا نويل حيث لم نفرق بينهم ولم نكن ضد معتقداتهم بل كنا جزءا منهم نفسيا ومعنويا ودينيا . كنا جميعًا جزءًا من عائلة واحدة، وأؤمن بشدة بأنه من غير الصحيح التمييز ضد الأشخاص بناءً على خلفياتهم الدينية.
ومع مرور الوقت، في عصر بروز تيارات دينية متشددة بدأت ألاحظ محاولات للتفرقة وغسيل الأدمغة، حيث انتشرت معتقدات خاطئة تدعو إلى عدم مشاركة إخواننا المسيحيين في أعيادهم وأفراحهم، بل وحتى عدم مواساتهم في حالات فقدانهم لأحبائهم.
هذه التصرفات والدعوات لا تستند إلى أي نص قرآني أو حديث نبوي، مما يجعلني أتساءل عن دور المؤسسات الدينية والتعليمية في مواجهة هذا التوجه المتطرف تحت غطاء كاذب يدعو لحماية المسلميين من الكفار المسيحين !!! هراء وخزعبلات وتفاهة لاتمت لدين و لا شيء.
إذا كان هناك من يعتدي على الدين باسم التطرف، فإن ذلك يستدعي تدخلًا حكوميًا عاجلًا لوضع الأمور في نصابها، ومحاسبة كل من تسول له نفسه الإساءة إلى قيم التعايش.
يجب أن نكون حريصين على عدم ترك التطرف ينمو ويتمدد في غياب القانون والتربية الدينية الصحيحة.
لا يوجد أجمل من مشاركة أعياد الميلاد المجيد مع إخواننا المسيحيين، فالمسيح عليه السلام ليس ملكًا خالصًا للمسيحيين، بل هو رمز للحب والفرح لجميع البشر.
حقنا أن نفرح بالأعياد وأن نبارك لبعضنا، لأن المشاركة تعزز الروابط الإنسانية وتؤكد على القيم المشتركة التي تجمعنا.
إن المطلوب هو تدخل حكومي سريع لوضع حد لهذه الظاهرة السيئة، وتأكيد أهمية التسامح والتعايش بين جميع الأديان. فالتنوع هو ثراء، ويجب أن نعمل معًا لبناء مجتمع يسوده المحبة والاحترام لكل الاديان .
عيد ميلاد مجيد وجميل ورائع باذن الله تعالى نحتفل به جميعا
aftoukan@hotmail.com

