صراحة نيوز- بقلم / عوض ضيف الله الملاحمة
الشركات متعددة الجنسية ( Multinational Corporations ) شركات عملاقة ، بل إن موازنات بعضها أضخم من موازنات الكثير من الدول . فمثلاً تبلغ الايرادات السنوية لشركة تويوتا ( ٤١١ ) مليار دولار ، وشركة مايكروسوفت ( ٢٨٢ ) مليار دولار ، وشركة فيسبوك ( ١٥٥ ) مليار دولار ، وشركة بيبسي كولا ( ٩٢ ) مليار دولار ، وغيرها .
وهنا لابد من تعريف الشركة متعددة الجنسية : ( هي شركة ملكيتها تخضع لسيطرة جنسيات متعددة ، ويتولى إدارتها أشخاص من جنسيات متعددة ، وتمارس نشاطها في بلدان اجنبية متعددة ، على الرغم من إن استراتيجياتها وسياساتها وخطط عملها تصمم في مركزها الرئيسي الذي يوجد في الدولة الأم التي نشأت فيها في بداية نشاطها واعمالها .
وللتوضيح أكثر ، الشركات المتعددة الجنسية : هي مجموعة من الكيانات القانونية المستقلة ، تتكون من شركة أم وفروعها وشركات تابعة في دول مختلفة ، تعمل جميعها ضمن استراتيجية عالمية موحدة ومسيطر عليها من مركز رئيسي واحد . وتتميز بحجمها الضخم ، والإنتشار الجغرافي الواسع ، والقدرة على تحريك الموارد والتكنولوجيا عبر الحدود لتحقيق أهدافها الإقتصادية العالمية ، كما انها تتكيف مع القوانين المحلية لدول عملها .
لمن لا يعرف فان معظم دول الغرب لديهم ( مخابرات اقتصادية ) . تتخصص في جمع المعلومات والبيانات التي يحتاجها من يود الإستثمار من مواطنيها خارج بلدانهم . وعلينا ان نعلم ان المستثمر الأجنبي من دول الغرب ، يأتي إليك ، ولديه اغلب المعلومات الأساسية عن بلدك . فبمجرد تفكيره في الاستثمار في بلد معين ، ما عليه الا ان يرسل رسالة موجهة ( لدائرة المخابرات الإقتصادية ) ، فتزوده بكافة المعلومات المطلوبة ، متضمنة توجيهات وارشادت ضرورية ، كما يخضعونهم الى دورات توعية عن البلد المستهدف ، لدرجة انهم يعلمونهم بعض الكلمات البذيئة ، والأكلات الشعبية ، إضافة الى بعض الجُمل الضرورية .
والأهم ان تلك البلدان تُصدِر سنوياً كتاباً ضخماً إسمه ( Who is Who ) ، وأهم ما يحتويه هذا الكتاب ( أسماء الأشخاص المؤثرين والمتنفذين ) في العديد من دول العالم ، الذين يمكنك التواصل معهم لغايات الشراكة ، او منحهم الوكالات ، إضافة الى الحصول على دعم تلك الشخصيات التي تكون نافذة . كل ذلك هدفه توعية وتوجيه وارشاد المستثمرين من مواطنيهم ، ليتجنبوا الإستغلال ، وليختصروا عليهم الزمن في الإحاطة بالمعلومات الضرورية وتقييم ما إذا كان البلد جاذباً للاستثمار ام لا .
معلوماتي المتواضعة عن الشركات متعددة الجنسية إستقيتها من مصدرين : المصدر الأول : — ان موضوع البحث عند دراستي للحصول على درجة الماجستير في إدارة الأعمال في نهايات ثمانينات القرن الماضي ، كان عنوان الرسالة ( الشركات متعددة الجنسية وموائمتها بين البيئة المحلية والعالمية ) وكانت الرسالة باللغة الإنجليزية حيث كان العنوان ( Multinational Corporations & the Adaptation Between Local & International Environment ) , وكانت ال ( Case Study ) أي دراسة الحالة ، عن شركة بيبسي كولا العالمية . والمصدر الثاني : — خبرتي في القطاع الخاص التي إمتدت لحوالي ( ٥٠ ) عاماً ، بعد تخرجي من جامعة بغداد عام ١٩٧٥ ، بتخصص الأدب الانجليزي .
الشركات متعددة الجنسية ، على الصعيد الواقعي الدولي هي دول عملاقة ، لا بل هي تسيِّر الدول العملاقة ، لا بل انها غيرت المفهوم المتعارف عليه قديماً ، حيث كانت ( السياسة هي التي تسير الإقتصاد ) ، لكن نفوذها وتأثيرها قلب المفهوم حيث أصبح ( الإقتصاد هو الذي يسير سياسات الدول ) . فالدول الكبرى تقدم الكثير لتلك الشركات وتضغط احياناً على الدول المضيفة لتسهيل تحقيق تلك الشركات الى أهدافها .
ولمن لا يعلم فان غاية امريكا من فرض منظمة التجارة العالمية ( WTO ) في منتصف تسعينيات القرن الماضي على اغلب دول العالم وتحديداً العالم الثالث ( المتخلف ) الهدف منها فتح أسواق تلك الدول لمنتجات الشركات متعددة الجنسية ، ويتمثل ذلك بشكل مباشر في الغاء ( الحماية الإغلاقية للمنتجات الوطنية ) . فتدخل منتجات تلك الشركات العملاقة الى اسواق تلك الدول وتقضي على المنتجات الوطنية ، لعدم قدرة المنتجات الوطنية على منافسة منتجات تلك الشركات العملاقة ، لا في السعر ، ولا في الجودة ، ولا في فنون الاعلانات ، والتسويق ، وخدمات ما بعد البيع ، والخدمات اللوجستية الأخرى .
الشركات متعددة الجنسية تدخل البلدان التي تتوافر فيها عناصر جاذبة للإستثمار ، مثل :—
١ )) الاستقرار السياسي ، والأمني .
٢ )) وخدمات البنية التحتية .
٣ )) واسعار الطاقة والمياة المشجعة .
٤ )) يضاف لها الربط الإقليمي والدولي بشبكات طرق وموانيء جيدة .
٥ )) وضرائب يمكن احتمالها .
٦ )) واستقرار في القوانين والتشريعات .
٧ )) ومنح فترات سماح .
٨ )) وتوافر مدن صناعية .
٩ )) وايدي عاملة رخيصة ، وايدي عاملة ماهرة .
١٠ )) ومدى انتشار اللغات الأوروبية وخاصة اللغة الإنجليزية .
١١ )) ومحدودية إنتشار الرشوة .
١٢ )) وان تكون البيئة الخارجية المحيطة بالموقع غير عدائية ، وغير ضاغطة .
١٣ )) وان تسود علاقات مستقرة بين البلد وجيرانه .
١٤ )) وان لا تكون البلد مصنفة ك ( Risky Zone او War Zone ) .
١٥ )) وان لا تتواجد في البلد عصابات ، او صراع قوميات او أديان .
١٦ )) وان يتصف القضاء بالاستقلالية وينتهج العدل ويحقق العدالة والإنصاف .
١٧ )) وان لا يكون هناك قيوداً على تحويل العملات .
١٨ )) وان تتوافر تكنولوجيا متقدمة .
وغير ذلك الكثير من الشروط الواجب توافرها في ذلك البلد لتسعى الشركات متعددة الجنسية للإستثمار فيه .
القراء الكرام ، البديهي والمعروف للناس كافة ، ان رأس المال جبان ، بل رعديد ( يخاف من دَبَّة النمّلة كما يُقال ) . كما ان رأس المال لا يُغامر أبداً ، ولا يُقحم نفسه في بلدٍ ، او منطقة غير مستقرة أمنياً وسياسياً مطلقاً . رأس المال يمكن ان يُغامر ، ويتجرأ ، ويكون جسوراً ، على مستوى الشأن الداخلي للمؤسسة ، خاصة في مجالي التسويق والمبيعات ، والمنافسة وبنسبة لا تزيد عن ( ١٥٪ ) .
عندما تتوافر عناصر جاذبة للإستثمار فان الشركات متعددة الجنسية ( تأتي اليك ) ، ( دون ان تسعى انت اليها ) . لأن هذه الشركات تكون في حالة رصد دائم للفرص الإستثمارية في كافة دول العالم . فيغتنمون الفرص الواعدة لتوسيع نشاطاتها والسيطرة على مزيد من الأسواق لتعظيم ايراداتها .

