دور المعلم في تشكيل الثقافة التربوية

3 د للقراءة
3 د للقراءة
دور المعلم في تشكيل الثقافة التربوية

صراحة نيوز – للدكتورة رنيم الجوابرة

الثقافة التربوية ليست مجرد مجموعة من القواعد أو التقاليد داخل المدارس؛ بل هي الروح الحية التي تحدد كيفية انتقال المعرفة والقيم والسلوكيات عبر الأجيال. وفي قلب هذه العملية يقف المعلم، الذي يتجاوز تأثيره حدود تقديم الدروس ليصبح مهندسًا رئيسيًا لثقافة الصف، حيث يشكّل اتجاهات الطلاب وطموحاتهم وأطرهم الأخلاقية. ومن خلال كونه مصدرًا للمعرفة، يلهم المعلم الفضول وحب التعلم مدى الحياة. كما أن سلوكياته اليومية تجعله قدوة يُحتذى بها، تغرس الانضباط والاحترام والنزاهة. ويلعب المعلم أيضًا دورًا حاسمًا في تنمية الوعي الثقافي، من خلال دمج الخلفيات المتنوعة للطلاب في بيئة التعلم وتعزيز قيم الشمولية والانفتاح. وبصفته قائدًا تربويًا، يشجع على الإبداع والتفكير النقدي والتعاون، مما يضمن إعداد الطلاب لمواجهة تحديات عالم سريع التغير. علاوة على ذلك، فإن تشجيع القراءة والحوار والتأمل يساعد على ترسيخ ثقافة الانخراط الفكري التي تتجاوز حدود الصف الدراسي. وعلى الرغم من التحديات مثل محدودية فرص التدريب أو مقاومة التغيير المؤسسي، يبقى دور المعلم أساسيًا في بناء ثقافة تربوية إيجابية وديناميكية ومستدامة تمكّن الأفراد والمجتمع على حد سواء.

والجدير بالذكر أن تعزيز الثقافة التربوية يتطلب من المعلم أن يكون حلقة وصل بين النظرية والتطبيق، وبين القيم المجتمعية والواقع المدرسي. فالمعلم الناجح لا يكتفي بتقديم المعرفة في شكلها المجرد، بل يسعى إلى تحويلها إلى خبرة حياتية يعيشها الطالب داخل الصف وخارجه. ومن خلال الأنشطة التفاعلية، والتقييم البنّاء، وإشراك الطلاب في الحوار، يصبح التعليم عملية شاملة تُنمّي العقل والوجدان معًا. كما أن المعلم يضطلع بمسؤولية غرس قيم المواطنة والاحترام المتبادل، وتدريب الطلاب على مهارات التواصل والعمل الجماعي، مما يرسّخ ثقافة تربوية متجددة قادرة على مواكبة العصر. ولا يقتصر دوره على الجانب الأكاديمي، بل يمتد إلى بناء شخصية الطالب المتوازنة، التي تجمع بين المعرفة والوعي الأخلاقي والاجتماعي. وهكذا يتحول المعلم إلى ركيزة أساسية في صياغة ثقافة تعليمية تُعزز الانتماء، وتفتح آفاق الإبداع، وتؤسس لجيل قادر على مواجهة تحديات المستقبل بثقة ومسؤولية.

إن المعلم ليس مجرد ناقل للمعرفة، بل هو صانع للثقافة ومؤسس للقيم التي تشكّل مستقبل الأجيال. فبفضل جهوده وإيمانه برسالته، تتحول المدرسة إلى بيئة حية تُعزز التعلم، وتغرس القيم، وتفتح آفاق الإبداع والتفكير النقدي. ومن هنا، فإن الاستثمار في المعلم وتطوير قدراته يُعد استثمارًا في المجتمع بأسره، لأنه يضمن بناء ثقافة تربوية راسخة قادرة على مواجهة تحديات الحاضر وصياغة مستقبل أفضل.

Share This Article