صراحة نيوز-لم تعد اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية حوادث عابرة أو سلوكيات فردية معزولة، بل تحولت إلى أداة مركزية في السياسة الإسرائيلية تهدف إلى فرض ضم الضفة الغربية كأمر واقع، وفق تحليل نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية.
ويرى محرر الشؤون العربية في الصحيفة، جاك خوري، أن ما تشهده الضفة الغربية لم يعد موجات عنف موسمية أو اشتباكات محدودة، بل واقعًا جديدًا نابعًا من سياسة إسرائيلية ممنهجة تسعى إلى تكريس ضم فعلي للأراضي الفلسطينية، مؤكدًا أن تصاعد اعتداءات المستوطنين يعكس توجهاً حكومياً واضحاً لا يمكن فصله عن السياق السياسي العام.
ويفند خوري الرواية الرسمية الإسرائيلية التي تحاول حصر العنف في إطار “قلة متطرفة”، واصفًا إياها بأنها مضللة، مشيرًا إلى أن هؤلاء المعتدين يتحركون تحت غطاء ودعم، وأحيانًا بمشاركة المؤسسة الأمنية والسياسية، التي توفر لهم حصانة شبه مطلقة من المحاسبة، في مقابل فرض إجراءات ردع صارمة بحق الفلسطينيين.
ويشير المقال إلى أن وجود الجيش والشرطة في الميدان لا يشكل عامل حماية للفلسطينيين، بل يعزز شعور المستوطنين بالأمان، في ظل تمييز واضح بين من تشملهم الحماية الأمنية ومن يُتركون دون أي حماية، ما يكرس واقعًا من الإفلات من العقاب.
ويستشهد الكاتب بحوادث وقعت مؤخرًا، من بينها الهجوم على عائلة فلسطينية في قرية السموع جنوب الخليل، وإطلاق نار قرب بلدة عناتا شمال شرق القدس المحتلة، ليوضح أن المستوطنين باتوا يستخدمون أسلحة عسكرية ضد مدنيين، إلى جانب قتل المواشي وتدمير الممتلكات، كجزء من سياسة تهدف إلى ترهيب الفلسطينيين ودفعهم إلى الرحيل.
وفي المقابل، يبرز المقال حالة العجز التي تعانيها السلطة الفلسطينية، والتي يصفها بأنها باتت “غير ذات صلة” وغير قادرة على حماية مواطنيها، فيما تفشل محاولات الحماية الذاتية المحلية بسبب القمع العسكري الإسرائيلي.
وبالتوازي مع تصاعد العنف، تواصل الحكومة الإسرائيلية، بحسب التحليل، خطوات تصفها بالقانونية لتكريس ما يُعرف بالضم الزاحف، عبر شرعنة 19 بؤرة استيطانية جديدة، وضخ استثمارات واسعة في البنية التحتية للضفة الغربية دون إعلان رسمي، تحت ذرائع أمنية.
أما على الصعيد الدولي، فيشير خوري إلى عجز أو عدم اكتراث المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة وأوروبا والقوى الكبرى، تجاه حماية الفلسطينيين أو وقف هذا المسار.
ووجه الكاتب رسالة تحذير إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، معتبرًا أن الحديث عن تحقيق “سلام تاريخي” يتناقض كليًا مع الواقع المتفجر في الضفة الغربية، محذرًا من أن حربًا أخرى تتشكل هناك، “أهدأ وأقل ضجيجًا، لكنها لا تقل تدميرًا” عن تلك التي اندلعت، وربما توقفت، في قطاع غزة.

