صراحة نيوز-تبرز أزمة دفع المخصصات لعائلات الأسرى والشهداء كواحدة من أبرز الملفات المعقدة التي تواجه السلطة الفلسطينية، خاصة في ظل إصرار إسرائيل على نزع سلاح حركة “حماس” واستبعادها من أي هيكل حكم مستقبلي.
يظهر دور السلطة الوطنية الفلسطينية المحتمل في حكم غزة، غير أن الولايات المتحدة وإسرائيل تشترطان أولاً إصلاح السلطة وفق معايير تشمل تعديل المناهج الدراسية والامتناع عن دفع رواتب لأسر القتلى والسجناء المدانين بالإرهاب.
تعود قضية المعاشات هذا الأسبوع لتفرض نفسها على الساحة الدولية، حيث تعتبر القيادة الفلسطينية دفع هذه المخصصات شأنًا داخليًا وسياديًا، ويصفها مسؤولوها بأنها “رمز وطني لا يمكن المساس به”.
أوقفت السلطة الفلسطينية صرف رواتب الأسرى والقتلى عبر مؤسسسة تمكين، ما أثار موجة احتجاجات شعبية دفعت الرئيس محمود عباس لإصدار بيان أكّد فيه التزام السلطة بتضحيات هؤلاء وذويهم.
أوضح عباس في بيانه أن الوفاء لتضحيات الأسرى والشهداء هو التزام وطني وأخلاقي لا يخضع للمزايدة أو الاستثمار السياسي، مؤكداً أن مؤسسات الدولة الوطنية الشرعية تحمي هذه الالتزامات.
اتهم وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر السلطة الفلسطينية بالاستمرار في دفع هذه المخصصات بطرق مخفية، واصفًا ما تقوم به السلطة بأنه “خداع متعمد”.
يرى العميد يوسي كوبرفاسر أن السلطة تحاول تضليل المجتمع الدولي عبر تحويل المدفوعات إلى آليات أخرى، في حين يواصل المستفيدون من هذه المخصصات تلقّي رواتبهم كالمعتاد.
تعتبر إسرائيل هذه المدفوعات تحفيزًا للعنف، بينما تصفها السلطة بأنها شبكة حماية اجتماعية لعائلات فقدت معيلها في سياق الصراع.
سنّت إسرائيل قوانين تمكنها من اقتطاع مبالغ من أموال الضرائب الفلسطينية (المقاصة) بينما ترفض السلطة الفلسطينية هذه الخطوة.
تشير تصريحات العواصم الغربية إلى أن الدعم المالي لم يعد يفصل بين الممارسة المالية والخطاب السياسي، وبين الدعم الاجتماعي وتمويل العنف كما يرونه، مشددة على ضرورة إصلاح السلطة.
ربطت واشنطن وبعض المانحين الدوليين أي دعم مالي باستمرار السلطة في تنفيذ إصلاحات، مثل وقف الدفع للمعتقلين الذين حكم عليهم بتهم الإرهاب وفق قانون Taylor Force Act الأمريكي.
أعلنت السلطة بداية العام عن تعديلات إدارية لآلية الصرف، عبر دمجها ضمن نظام حماية اجتماعية أوسع، إلا أن عدم اقتناع الأطراف الدولية يمكن أن يضعف فرص السلطة في إعادة التموضع دولياً.
يجعل هذا الملف أي حديث عن تولي السلطة حكم غزة مشروطاً ومؤجلاً، وقد يتحول من عبء سياسي قابل للإدارة إلى اختبار حاسم له أثمان باهظة، بحسب خبراء محليين.
احتدم الجدل عندما أصدرت السلطة مرسومًا رئاسيًا لنقل إدارة المدفوعات إلى المؤسسة الوطنية للتمكين الاقتصادي، ما أثار انتقادات واسعة من داخل فلسطين وخارجها.
قال كوبرفاسر إن الإجراءات لم تغير من الواقع شيئًا، إذ استمر الإرهابيون في تلقي رواتبهم عبر قناة مؤسسة تمكين، ما يجعل الإصلاح شكليًا فقط.
أكد عباس في بيان لاحق التزامه بتضحيات القتلى والأسرى، ورأى أن إيقاف المدفوعات دون ضمانات دولية قد يهدد شرعية القيادة في ظل غياب الانتخابات وتآكل الثقة الشعبية.
انتقد الرئيس السابق لهيئة شؤون الأسرى، قدورة فارس، المرسوم حينها ووصفه بأنه “خطوة غير مناسبة”، فيما اعتبر رئيس الهيئة الحالي رائد أبو الحمص أن هذه السياسات تحولت لفئات اجتماعية خاصة تتنافى مع القيم الوطنية.
اعتبرت فصائل فلسطينية، ومنها حركة حماس، قرار وقف المخصصات “تخلياً عن القضية الوطنية وخضوعاً للإملاءات الخارجية”.
تشير التقارير إلى أن الدول المانحة تعتبر المعاشات مؤشرًا على غياب القطيعة مع منطق المكافأة مقابل الفعل المسلح، وترتبط أي مساعدات مالية مستقبلية بإصلاحات السلطة.
ارتفع سقف التوقعات من السلطة الفلسطينية بعد الحرب في غزة، إذ لم تعد تقييماتها مرتبطة بالتزامات سابقة أو التنسيق الأمني فقط، بل بقدرتها على تقديم نفسها كبديل حقيقي لحماس.
اعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر سياسات السلطة تشجع الإرهاب وتتعارض مع أي دور مستقبلي لها في إدارة القطاع، في حين يشدد مسؤولون فلسطينيون على أن إسرائيل تستخدم الملف ذريعة سياسية لعرقلة أي دور للسلطة.
يشكل استمرار دفع معاشات المعتقلين ثغرة كبرى في الرواية الدولية للبديل المعتدل، ما يمنح إسرائيل حججًا للطعن في أهلية السلطة لتولي أي دور في غزة، وفق مراقبين محليين.
يقول الناشط عوض المشني إن الملف مرتبط بتقاطع الضغوط المالية الدولية مع التجاذب السياسي الإسرائيلي–الفلسطيني، ويأتي في لحظة حساسة للسلطة تبحث فيها عن دعم خارجي.
تحاول إسرائيل تثبيت روايتها بأن سياسة السلطة لم تتغير وأنها غير مؤهلة للحكم، خصوصًا مع الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، والتي تتطلب دعماً دولياً للسلطة لتولي أي دور في إدارة القطاع.

