أين أنتم من غرب أربد يا صناع القرار..

3 د للقراءة
3 د للقراءة
أين أنتم من غرب أربد يا صناع القرار..

صراحة نيوز-  م مدحت الخطيب

في غرب إربد، وتحديدًا في بيت يافا، لم يعد السؤال: ما الذي يجري؟ بل: كيف يُسمح لما يجري أن يستمر؟
مشروع الصرف الصحي الذي كان من المفترض أن يكون عنوان تنمية، تحوّل إلى كابوس يومي، وإلى شاهد حيّ على خللٍ عميق في الإدارة، والرقابة، واحترام الإنسان.
أسألكم بالله، وبالحد الأدنى من الضمير الوطني:
هل يُعقل أن تُدمَّر الشوارع، وتُنهك السيارات، وتُستنزف أعصاب الناس، ثم لا نرى حسيبًا ولا رقيب؟
هل يُعقل أن يُترك مقاول يتصرّف وكأن المنطقة أرض سائبة، يضرب بعرض الحائط مطالب المواطنين، ويقدّم “إنجازًا شكليًا” لا يصمد أمام أول شتوة، بينما تُصفَّق له التقارير الورقية؟
المأساة لا تكمن فقط في حفرة هنا أو شارع مكسور هناك، بل في الفلسفة التي تُدار بها الأمور:
استخفاف بالمواطن، استهانة بالوقت، وعبث بالمال العام.
الزفتة التي يُقال إنها تعبيد، تذوب مع المطر كما تذوب الوعود أمام أول اختبار.
الحفر تُردم على عجل، دون أساس، دون مواصفات، وكأن الهدف ليس الحل، بل إسكات الناس مؤقتًا.
كل أسبوع، حين أذهب إلى بيت يافا، لا أرى مجرد طرقات مدمّرة؛
أرى صورة مصغّرة عن واقع أكبر:
دولة تطلب من مواطنيها الصبر، لكنها لا تطلب من المقصّرين الحساب.
مؤسسات تتقن لغة البيانات، لكنها تتلعثم أمام الحقيقة على الأرض.
نواب ومسؤولون يعرفون حجم الكارثة، لكنهم يختارون الصمت، أو الأسوأ: المجاملة.
وهنا السؤال الأخطر:
ألا يوجد عقد ملزم بين الجهة المنفذة والمقاول؟
ألا توجد شروط جزائية؟
ألا يوجد مهندسون مشرفون؟
أم أن كل هذا مجرد ديكور إداري، يُستدعى عند الحاجة الإعلامية، ويُغيب عند لحظة المحاسبة؟
لماذا يُجامل صُنّاع القرار مقاولًا على حساب الوطن والمواطن؟
من الذي قرر أن كرامة الناس أقل أهمية من “عدم فتح مشاكل”؟
من الذي اختار السلامة الشخصية على حساب السلامة العامة؟
الصمت هنا ليس حيادًا، بل موقف. والمجاملة ليست لباقة، بل تواطؤ.
ما يحدث في غرب إربد ليس خللًا فنيًا عابرًا، بل فشل إداري مكتمل الأركان.
والأخطر من الفشل هو الإصرار عليه، وتطبيعه، والتعامل معه كأنه قدر لا يمكن تغييره.
لكن الأقدار لا تُصنع بالصدفة، بل بالقرارات.
وحين تغيب المحاسبة، يصبح الفساد نمط عمل، لا استثناء.
هذا المقال ليس استهدافًا، ولا مزاودة، ولا جلدًا للذات.
هذا نداء واضح:
إما أن تكون هناك دولة تحترم عقودها، وتحاسب المقصّرين، وتُنصف مواطنيها،
أو فليُقال للناس بوضوح إنهم وحدهم في مواجهة العبث.
غرب إربد لا يطلب المستحيل.
بيت يافا لا تطلب معجزة.
الناس تريد طرقًا تُسلك، لا مصائد.
وتريد مشاريع تُنجز، لا كوابيس تُدار.
السكوت جريمة.
والتأجيل خديعة.
والمحاسبة… هي الاختبار الحقيقي لأي حديث عن دولة القانون…

Share This Article