الدولار الأمريكي يتجه لأسوأ أداء سنوي منذ نحو عقد وسط تحولات عميقة في الأسواق العالمية

4 د للقراءة
4 د للقراءة
الدولار الأمريكي يتجه لأسوأ أداء سنوي منذ نحو عقد وسط تحولات عميقة في الأسواق العالمية

صراحة نيوز-يتجه الدولار الأمريكي لتسجيل أسوأ أداء سنوي له منذ ما يقرب من عشر سنوات، في مؤشر يعكس تحولات عميقة تشهدها الأسواق المالية العالمية، وسط تزايد التوقعات بخفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، وتصاعد المخاوف المرتبطة بالسياسات المالية والتجارية، إلى جانب حالة عدم اليقين السياسي.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز، فقد الدولار خلال العام الجاري نحو 10% من قيمته مقابل سلة من العملات الرئيسية، مسجلاً أكبر تراجع سنوي له منذ عام 2017. ويعزو محللون هذا الأداء الضعيف إلى تغير توقعات المستثمرين بشأن مسار السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، حيث باتت الأسواق تراهن على تخفيضات إضافية في أسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة، في ظل مؤشرات على تباطؤ الاقتصاد الأمريكي وتراجع الضغوط التضخمية مقارنة بذروتها في السنوات السابقة.

في المقابل، استفادت عملات رئيسية أخرى من هذا التحول، إذ سجل اليورو ارتفاعاً قوياً يُعد الأفضل منذ سنوات، مدعوماً باستقرار نسبي في السياسة النقدية الأوروبية، بينما حقق الجنيه الإسترليني مكاسب ملحوظة مع تحسن التوقعات الاقتصادية في بريطانيا. وأسهم هذا التباين في المسارات النقدية بين الولايات المتحدة واقتصادات متقدمة أخرى في تقليص الفجوة التي كانت تصب في مصلحة الدولار خلال مرحلة التشديد النقدي السابقة.

عوامل متعددة تضغط على العملة الأمريكية

ولا تقتصر أسباب ضعف الدولار على السياسة النقدية وحدها، إذ تلعب العوامل المالية دوراً متزايداً في الضغط على العملة الأمريكية. فارتفاع العجز المالي واستمرار تراكم الدين العام يثيران قلق المستثمرين بشأن استدامة الأوضاع المالية على المدى المتوسط، في وقت تعزز فيه النقاشات المتكررة حول الإنفاق الحكومي والضرائب حالة عدم اليقين، ما يدفع بعض المستثمرين إلى تقليص تعرضهم للأصول المقومة بالدولار.

كما ألقى العامل السياسي بظلاله على أداء العملة، إذ ساهمت التقلبات المرتبطة بالسياسات التجارية والخطاب المتغير بشأن الرسوم الجمركية والعلاقات الاقتصادية الدولية في زيادة حذر الأسواق. ويخشى مستثمرون من أن تؤدي سياسات غير متوقعة إلى توترات تجارية جديدة، قد تنعكس سلباً على النمو الاقتصادي الأمريكي وعلى جاذبية الدولار كعملة ملاذ آمن.

هل تمثل المرحلة نقطة تحول؟

ورغم هذا التراجع، لا يزال الدولار يحتفظ بمكانته المحورية في النظام المالي العالمي، مدعوماً بحجم الاقتصاد الأمريكي وعمق أسواقه المالية. إلا أن محللين يرون أن المرحلة الحالية قد تمثل نقطة تحول، مع بدء المستثمرين إعادة تقييم استراتيجيات التحوط وتنويع الاحتياطيات، وهو ما قد يؤدي إلى تراجع تدريجي في الطلب على الدولار خلال السنوات المقبلة.

ومع اقتراب عام 2026، تترقب الأسواق مسار السياسة النقدية الأمريكية عن كثب، إذ إن أي تخفيضات إضافية في أسعار الفائدة، بالتزامن مع استمرار تشدد نسبي في سياسات بنوك مركزية أخرى، قد تفتح الباب أمام مزيد من الضعف في العملة الأمريكية. وفي المقابل، قد يحد أي تحسن مفاجئ في النمو الاقتصادي أو عودة الضغوط التضخمية من وتيرة هذا التراجع.

وفي المجمل، يعكس الأداء الضعيف للدولار خلال العام الحالي مزيجاً معقداً من العوامل الاقتصادية والمالية والسياسية. وبينما لا يعني ذلك بالضرورة فقدان العملة الأمريكية مكانتها العالمية، فإنه يشير بوضوح إلى دخول مرحلة جديدة تتسم بتوازنات أكثر هشاشة، لم يعد فيها صعود الدولار أمراً مسلّماً به كما كان في السنوات الماضية.

Share This Article